يوم هزمنا الهزيمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مر خمسون عاماً على يونيو ٦٧، هذا الشهر الذي شهد هزيمة عسكرية ثقيلة في مصر وهو الذي شهد يوم التاسع منه، موقفاً شعبياً، فاجأ العدو، مفاجأة لم تكن أبداً في الحسبان، وقد أصابه عجز تام عن فك الشيفرة المصرية المستعصية.

رفعت أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما الكؤوس نخب هزيمة يونيو، حيث تكالب جميع أعداء الداخل والخارج، لإجهاض المشروع الناصري لإحياء القومية العربية.

كانت إسرائيل أداة تنفيذ المخطط العالمي ضد مصر وما كان باستطاعة الدولة المصرية التصدي لكل شركاء العدوان.

الغريب أن الشامتين المصريين لا يفوتهم، سنوياً، نصب مناحة يونيو التي لا يرون سواها، بينما تعمى عيونهم تماماً، عما حدث في مساء التاسع من يونيو، وما اعترف أطراف العدوان بأنه فرض تغييراً في الاستراتيجية العالمية، إذ كانت تعتبر حاسباتها الآلية، أن هزيمة عسكرية ساحقة ماحقة تعني رحيل القائد من دون نقاش، لكن وحيث إن الكومبيوترات مجرد آلات معدنية جامدة تعجز عن رصد الوجدان والمشاعر وترجمتها، فقد فاجأها وأذهلها رد فعل المصريين بالغ الوعي بالمخطط الخبيث، فأسقط في أيدي المعتدين.

ما هي إلا دقائق معدودة من خطاب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذي كان الهدف الأساسي للعدوان، إلا وانتفض الشعب المصري وبقية الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، تعلن رفض الهزيمة، وتؤكد استمرار النضال حتى النصر، فلا توجد دولة في العالم تقريباً، لم تذق طعم الهزيمة العسكرية، غير أن الهزيمة تقاس بنتائجها.

لن أنسى ما حييت، ما كنت أسمعه من شماتة واستعلاء من إذاعتي صوت أمريكا وتل أبيب، وتأكيدهما أن «هذا الدكتاتور، أي عبد الناصر، يجب أن يرحل».

دوي في سماء القاهرة هتاف كالرعد: ناصر.. ناصر.. ثم توالت الشعارات بعدها، والشوارع تضيق بالمتدفقين عليها، مكتوب على قلوبنا عبدالناصر محبوبنا، مكتوب علي سلاحنا عبدالناصر كفاحنا، ارفض ارفض يا زكريا عبدالناصر مية المية، أنور أنور يا سادات إحنا اخترنا جمال بالذات.

كان الانتخاب بالإجماع وعندما تأخر عبدالناصر في الرد رفعنا صباح العاشر من يونيو شعار: إحنا الشعب أصحاب الحق، لأول مرة نقولك لأ.. واستجاب الزعيم للإرادة الشعبية، وكانت وقفتنا مساء التاسع من يونيو، أول خطوة في طريق العبور.

لقد هزمنا الهزيمة العسكرية ورفعنا شعار المقاومة، فكانت حرب الاستنزاف المجيدة، وبدايتها في الأول من يوليو في معركة رأس العش، عندما صعقت قوات الصاعقة المصرية، المدرعات الإسرائيلية التي كانت تستهدف احتلال مدينة بور فؤاد.

توالت المقاومة الباسلة البطولية لقواتنا المسلحة الباسلة، التي لم تبخل بالتضحيات، وبأغلاها، أي بالحياة، لاسترداد الكرامة وتلقين العدو الظاهر ومن وراءه درس العمر بأن توجت حرب الاستنزاف بالعبور العظيم.

هل كان يمكن تحقيق العبور لولا حرب الاستنزاف، التي أذاقت إسرائيل المُر، وباعتراف أحد كبار رجال مخابراتها إذ قال إنها كانت «أطول وأشرس وأوجع حرب خاضتها إسرائيل مع العرب».

السؤال الأهم، هل كان يمكن أن تتم حرب الاستنزاف ثم العبور، لو لم تكن وقفة الشعب المصري التاريخية والمعجزة، ليلة التاسع من يونيو؟

مع ذلك لا يزال كارهو مصر الوطن، يولولون ويذرفون دموع التماسيح على الهزيمة، وكأننا الدولة الوحيدة التي هُزمت، ولا يشيرون من قريب أو من بعيد إلى أطراف العدوان ومؤامرتهم الخيانية الخسيسة، ولا إلى خيبة أملهم بأن يسير الشعب بجوار الحائط كما أرادوا.

يدعي هؤلاء بأن الاتحاد الاشتراكي هو من ملأ شوارع مصر والوطن العربي بالملايين ويصابون بالخرس عندما تسألهم إذا ما كان الاتحاد الاشتراكي هو من جعل الملايين تبكي كمن فقدوا أباهم يوم رحيل الزعيم.

 

 

Email