سيناريوهات الحرب والسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو السياسة النووية لكوريا الشمالية اليوم قائمة على فرضية بسيطة وواضحة، لكن تشوبها العيوب القاتلة، بمعنى أن جهودها الرامية لتطوير وامتلاك القدرة على وضع رأس حربي نووي على صاروخ عابر للقارات، وإطلاقه باتجاه الولايات المتحدة، تضمن لها أمنها ونظامها بطريقة ما من خلال توازن الرعب.

لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة، بل كلما اقتربت بيونغيانغ من تحقيق تلك القدرات، زادت تكاليف السماح لها بتحقيق ذلك بالنسبة لكوريا الجنوبية واليابان وحتى الصين.

على مدى عقود، تم ردع القوات العسكرية التابعة للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية عن الهجوم على كوريا الشمالية ليس لأي سبب يتعلق بقدرات أسلحة هذه الأخيرة النووية، بل بسبب التدمير الذي يمكن أن يلحقه وابل صواريخها وقذائفها ومدفعيتها بسيئول، وعلى الرغم من أن النتيجة النهائية لم تكن يوماً محط شك، إلا أن التكاليف المصاحبة لاتباع حل عسكري تفوق تكاليف التسامح مع وجود نظام كيم.

لكن تلك الحسابات كانت تتغير أخيراً، فالتكاليف المترتبة على الاستمرار في عدم التحرك، والسماح بالتالي لبيونغيانغ بتطوير كامل قدراتها على توجيه سلاح نووي ضد سيئول وطوكيو والولايات المتحدة، على وشك أن تتفوق على التكاليف المترتبة على استخدام القوة العسكرية.

عند تلك النقطة، فإن استخدام القوة يصبح خياراً قابلاً للتطبيق إن لم يكن حتمياً، وتوفر تهديدات كوريا الشمالية بإطلاق هجوم نووي استباقي ضد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تبريراً أقوى لمثل هذا التحرك. لكن هذا الخيار ما زال ينطوي على مخاطر كبرى بطبيعة الحال،.

ولهذا السبب، من المرجح أن تجري أولاً محاولة سياسة تغيير النظام بوسائل غير عسكرية، وكانت كوريا الشمالية تتهم واشنطن باتباع سياسة ترمي إلى تغيير النظام لسنوات، لكن هذا لم يكن هو الوضع حقاً.

فقد حرصت جهود سابقة على تغيير سلوك النظام، لكن ليس النظام نفسه، وهذا قد يتغير قريباً، ومن المحتمل أن تبذل جهوداً شاملة لزعزعة استقرار نظام كيم، وليس هناك ما يدعو للاستغراب إذا لم تعترض الصين على ذلك، ليس هذا فحسب، بل راقت لها الفكرة.

وتفضل بكين بقاء كوريا الشمالية منطقة عازلة، وتخشى الفوضى وعدم الاستقرار على حدودها، لكن من شأن التطمينات من واشنطن وسيئول بأنهما منفتحتان لموضوع استمرار دولة كوريا الشمالية، لكن تحت قيادة زعيم ما أكثر استيعاباً للصين وباقي الدول، أن تزيل مخاوف بكين الرئيسية.

ومن الواضح أن الرئيس الصيني شي جينبينغ ليس من أشد المعجبين بزعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون.السعي وراء تغيير النظام، بغض النظر عن كيفية القيام بذلك، هو خيار رهيب، لا أحد يرغب أو يفضل هذا الخيار، لكن إذا استمرت بيونغيانغ في مسارها الحالي، فإن المخططين العسكريين قد ينظرون إلى الأمر على أنه البديل الوحيد القابل للتطبيق.

وهناك طريقة للخروج من هذا الوضع المظلم، لم تخف بيونغيانغ رغبتها بمعاهدة سلام مع واشنطن، لكن ما أخفقت في الاعتراف به حتى الآن، هو أن الطريق إلى واشنطن يمر عبر سيئول. وسريعاً سيكون هناك زعيم جديد في سيئول، وفيما زعيم أكثر ليبرالية قد يكون أكثر استعداداً لفتح علاقة مع كوريا الشمالية، لا ينبغي على بيونغيانغ أن ترفع آمالها كثيراً.

بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات، فإنه من المحتمل ألا يكون توفيقياً كما القادة التقدميين السابقين، إلا إذا كان كيم على استعداد للاجتماع به في منتصف الطريق.

كان مؤسس كوريا الشمالية، جد كيم الحالي، كيم ايل سونغ قد اقترح فيدرالية «كيورو» في إحدى المرات وهذه تتكون من دولتين كوريتين مستقلتين تحترمان خيار بعضهما لنظامهما السياسي. عندما يختار سكان كوريا الجنوبية بشكل ديمقراطي زعيمهم الجديد.

فإنه من الأجدى بكيم يونغ أون أن يوجه رسالة للرئيس الجديد، مخاطباً إياه كرئيس جمهورية كوريا، وليس كزعيم كوريا الجنوبية كما اعتاد، وأن يقترح لقاءً معه في مكان حيادي لمناقشة موضوع التعايش السلمي كخطوة أولى نحو التوصل إلى شبه جزيرة كورية تعيش بتناغم منزوعة السلاح النووي.

كما أن إرساله رسالة إلى جينبينغ يطلب منه استئناف المباحثات السداسية على أساس الاتفاق المشترك في 19 سبتمبر 2005 وأجندته.

وأن يشير إلى ترامب بأن بيونغيانغ منفتحة على صفقة كبرى بناءً على الخطوط التي اقترحها مؤسس منتدى المحيط الهادي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الأدميرال المتقاعد في البحرية الأميركية لويد فازي، والتي تدعو على خطة مارشال مصغرة وضمانات أمنية لكوريا الشمالية في مقابل نزع السلاح النووي المتحقق منه خطوة خطوة.

يمكن أن تمضي بيونغيانغ في مسارها المدمر للذات، تاركة إدارة ترامب بخيارين: القبول بكوريا الشمالية كدولة بسلاح نووي بحكم الأمر الواقع قادرة على وضع سيئول وطوكيو وهونولولو وأخيراً واشنطن في مرمى الخطر، أو اتخاذ كل الخطوات الضرورية لمنع كوريا الشمالية من الوصول إلى هذا الهدف. كل الخيارات مطروحة على الطاولة، لكن على الأقل الخيار في البداية هو في يد بيونغيانغ.

 

Email