مسلمو أوروبا بين الاندماج والتهميش

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعيش الملايين من المسلمين في أوروبا ولاسيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

يبلغ عدد المسلمين في تلك البلدان الثلاثة حوالي 15 مليون مسلم، و يشكل المسلمون من باكستان أغلبية مسلمي بريطانيا، أما الأتراك فيمثلون أغلبية المسلمين في ألمانيا، وفي فرنسا يشكل الجزائريون والمغاربة أغلبية المسلمين هناك.

يثور سؤال اندماج المسلمين في تلك البلدان وغيرها في أوروبا ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة والهجمات الإرهابية في مدريد 2004 وفي لندن 2005 وبعد ذلك في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية.

يمكن القول إن غالبية المسلمين يعانون من أزمة هوية وانتماء خارج بلدانهم حتى الأجيال الثانية والثالثة التي ولدت أوقضت معظم حياتها في أوروبا.

ينشأ المسلمون بين نظامين للقيم مختلفين، ومن هنا يبرز الصراع النفسي الداخلي بين النظامين، وتشوه تلك التربية الشخصية السوية في المجتمع.

هناك ثلاث فئات من المسلمين في أوروبا: الأولى مندمجة في المجتمع بصورة كبيرة ولكنها تمثل أقلية، الثانية هي منعزلة وتعيش في غيتوهات وجزر منعزلة وهي نسبة ليست بالقليلة ومنها يخرج المتطرفون والإرهابيون، أما الفئة الثالثة وهي الأغلبية فهي مختلطة بين العزلة والاندماج، ففي بعض المواقف تجدها مندمجة وفي مواقف أخرى تجدها منعزلة ومهمشة.

تلعب حكومات البلدان الأوروبية والجاليات المسلمة الدور الأساسي في إدماج أو تهميش المسلمين في أوروبا.

تتبع بريطانيا، مثلا، سياسة التعددية الثقافية لتحقيق الاندماج، وتقوم تلك السياسة على إعطاء حريات كاملة للجالية المسلمة للتعبير عن هويتها الدينية إلى حد تكوين كيان مغاير للكيان البريطاني.

وقد أثبتت تلك السياسة فشلها لأنها خلقت مجتمعات منعزلة في مناطق مختلفة في بريطانيا مثل برمنغهام وشرق لندن.

يضاف إلى ذلك خوف السياسيين من انتقاد سياسات بعض المسلمين الخاطئة خوفاً من اتهامهم بكراهية المسلمين والإسلام.

من جانب آخر تقوم بعض المدارس الإسلامية والمساجد والأسر بتربية الأطفال على كراهية الأخر وعدم قبوله والتعايش معه واعتبار غير المسلم كافراً وعدم الاختلاط وعدم خروج المرأة للعمل وغيرها من الممارسات التي تفصل بين المسلمين والمجتمعات التي يعيشون بها.

لقد أقر دافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني السابق بفشل تلك السياسة في احد خطاباته، وقال «إن مبدأ التعددية الثقافية كاستراتيجية قد شجع ثقافات مختلفة على العيش حياة منعزلة بعيدة عن بعضها البعض وعن المجتمع العام».

وقال تريفور فيلبس رئيس لجنة المساواة وحقوق الإنسان في عام 2004 إن التعددية الثقافية تؤدي إلى العزلة ويجب استبدالها بسياسات تشجع على الاندماج وعلى جوهر أن تكون بريطانياً أولاً.

أما فرنسا فتطبق سياسة الذوبان أو الانصهار وهي تعتمد على نسيان غير الفرنسي هويته ويذوب في الهوية الفرنسية.

أثبتت التجربة فشل تلك السياسة في إدماج المسلمين في فرنسا وأفضت إلى خلق مجتمعات منعزلة للمسلمين في أماكن فقيرة تنتشر بها البطالة والفقر والمخدرات والجريمة مثل بعض المناطق المحيطة بباريس.

من جانب أخر تقوم بعض المؤسسات الإسلامية في فرنسا على تشجيع أبناء الجالية المسلمة على الالتزام بالتعاليم الإسلامية وعدم الانخراط في المجتمع الفرنسي.

تطبق الدول الأوروبية الأخرى خليطاً من السياستين مثل ألمانيا وغيرها ولكنها لم تنجح في إدماج الغالبية العظمى من الجالية المسلمة في المجتمعات الأوروبية.

يكمن حل تلك المعضلة الكبرى في العمل المشترك بين السلطات والجاليات المسلمة لأن المسؤولية مشتركة لتحقيق الاندماج الذي يأتي بالخير على الجميع.

يجب ترك الحريات للمسلمين لممارسة شعائرهم الدينية ولكن لايجب السماح لهم ببناء هوية مختلفة عن هوية وقيم المجتمع الذي يعيشون به.

كما يجب أن يرضى المسلمون بالحريات التي يتمتعون بها وإذا كان هناك تجاوزات ضدهم، فهناك قضاء يمكن أن يعالج تلك المشكلات.

وعلى السلطات، أيضاً، أن تكون حازمة مع أي محاولة لإحداث شرخ في المجتمعات ولاتخشى من اتهامها بالاسلاموفوبيا من أجل تحقيق الصالح العام.

لابد أن يتمتع المسلمون بجو الحريات والديمقراطية في أوروبا ولكن يجب أن لايسيئوا استخدام تلك الحريات مثلما فعل انجم شودري وهو مسلم باكستاني ويعيش على المساعدات الاجتماعية التي تقدمه له الحكومة البريطانية.

والذي كان يعلن عدم احترامه للقوانين البريطانية ولا الملكة وقام بحرق العلم البريطاني مع جماعته قبل أن يسجن أخيراً بتهمة تشجيع آخرين على الانضمام لتنظيم داعش.

 

Email