في وطن التسامح

لإيجاد بيئة تتوافر فيها قيم التسامح لابد من توافر شرطين الأول هو العدالة والثاني هو الأمن.

توافر هذين الشرطين يخلقان جواً من الألفة والسعادة والاطمئنان مهمان جداً لخلق وترسيخ قيم تقبل الآخر والرغبة في التعايش السلمي معه واحترام خصوصيته الحضارية. وفي الإمارات، بلد التسامح والتحضر نجد أن كل شروط خلق مجتمع متقبل للآخر موجودة.

هذا ما نراه واضحاً في مناسبات الجاليات المقيمة في الدولة من حيث السماح لها بالتعبير عن فرحتها بالصورة التي تراها مناسبة ولا تتعارض مع الأعراف الاجتماعية المرعية، وسواء كانت تلك المناسبات دينية أو ثقافية أو فنية، فإنك تجدها كلها حاضرة ومحتفى بها ليس فقط من قبل أفراد تلك الجالية فقط بل عموماً، فقد وضعت الدولة الكثير من القوانين والتشريعات التي تضمن لكل جالية الفضاء الخاص بها والحرية التي يضمنها لها القانون وتحميها التشريعات المختلفة.

لا تجد أي جالية صعوبة في الاحتفاء بمناسباتها الخاصة أو أعيادها الدينية. هذا الجو الحضاري يرسخ تلك الصورة التي تقدمها الإمارات عن نفسها بأنها وطن للجميع، وبأننا نعيش ليس في بلد صغير بل في عالم كبير تمتزج فيها كل أطياف البشر بتنوعاتهم العرقية والدينية والإثنية المختلفة.

في واقع الأمر فإن هذا الوضع ليس بوليد اليوم بل هو ثقافة متجذرة تجري في العروق الإماراتية على مر العصور.

مجتمع الإمارات مجتمع يعتمد على التجارة وفي مثل هذا المجتمع فإن التعامل مع الآخر مهما كانت خلفيته أو ثقافته أو دينه، هو عملية حضارية ووضرورة اقتصادية للارتقاء بالمجتمع ككل، وهذه النوعية من العقلية أو التفكير استمر حتى يومنا هذا حيث حرصت الدولة على تعزيز القيم المتوارثة والبناء عليها وتوريثها للأجيال القادمة، ولهذا جاء التعليم من خلال المناهج الدراسية لكي يلعب دوراً مهماً في تثقيف العقول الصغيرة وجعلها منفتحة على الآخر ومتقبلة له دون نبذ أو عنصرية، فما تطمح له المناهج ليس فقط تزويد الدارسين بالعلم وإمدادهم بالمهارات اللازمة للمستقبل بل في تعزيز القيم الأصيلة وقيم المواطنة الصالحة المعتزة بإرثها الوطني.

إن إنشاء مجتمع ذي أطر قائمة على التسامح والعدل وتقبل الآخر ليس بالأمر الهين أو السهل، فقد فشلت مجتمعات كثيرة وذات طوائف سكانية متفاوتة ومنتمية إلى النسيج الاجتماعي لتلك المجتمعات، في خلق مجتمع متماسك خالي من التفرقة والطائفية والعنف. ولدينا في بعض من دول الشرق الأوسط أنموذج، فعلى الرغم من أن تلك الدول تحتضن طوائف متنوعة تنتمي إلى النسيج الاجتماعي والإثني لتلك المجتمعات إلا أن ذلك لم يحول دون ظهور الطائفية والعنصرية والتي أدت إلى التطرف والعنف وأفرزت ظاهرة الإرهاب.

إن فخر الإمارات اليوم لا يكمن في نجاحها في خلق مجتمع متطور ومتسامح يتعايش فيه الجميع جنباً إلى جنب، ولكن في المحافظة على ذلك المزيج الديموغرافي والحؤول دون ظهور أي مشاكل اجتماعية، كما أن نجاح الإمارات يكمن في تجسيرها لتلك الفجوة الحضارية بين الطبقات مهما بلغ من علوها، وبالتالي سد الطريق أمام أي نوع من الضغينة أو الكراهية التي تؤدي إلى الفرقة.

الجميع لدينا يشعر بالعدالة الاجتماعية التي ترعاها القوانين وتحميها التشريعات، ومن جهة أخرى فإن غياب ما يسمى بالفساد الاجتماعي، وهو الذي يفرز بيئة يترعرع فيها الحقد والكراهية أسهم في الحفاظ على المجتمع نظيف ومعافى.

نجحت قوانين الإمارات في الحفاظ على الأمن وفي توفير العدالة، الأمر الذي زرع في النفوس حباً لدولة للإمارات وتقديراً لقيمه المجتمعية.

 

 

الأكثر مشاركة