متغيّرات في فكر المرأة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشرت دراسة مؤخراً في إحدى الدول العربية تبين من خلالها أن عدد النساء غير المتزوجات فيها قد ارتفع إلى 4.81 ملايين امرأة بنهاية العام 2015.

هذا العدد الهائل من النساء لسن كلهن عازفات عن الزواج لأسباب تتعلق بقلة عدد الرجال ولكن العديد منهن عازفات لأسباب أخرى تتعلق بالمتغيرات الفكرية الجديدة التي طرأت على فكر المرأة العربية والخليجية، أيضاً، كما تتعلق بأنماط الحياة التي أصبحت تعيشها المرأة في العالم العربي والخليج العربي والتي غيرت من نظرتها للكثير من القضايا وعلى رأسها الشراكة الزوجية.

الدراسة لم تجب عن أسئلة منها عدد الرجال الذين هم في سن الزواج ولم يتزوجوا حتى الآن، أو عدد الزيجات التي انتهت بالطلاق، إلا أن الدراسة بينت أحد أهم المتغيرات ألا وهو المرأة وتأثير انخراطها في الحياة المهنية على فكرها.

كما أن هذه الدراسة هي مؤشر مهم يدلنا على أهم المتغيرات الفكرية التي دخلت حياة المرأة العربية والخليجية وانعكاساتها على قضايا مجتمعية أخرى، فلم تعد المرأة العربية والخليجية الجديدة كأمها أو جدتها، ترضى بأي رجل أو كما يقول المثل «ظل رجل ولا ظل حائط».

بل أصبحت ترفض الدخول في شراكة زواجية إذا ما عرفت أن نهايتها قد تكون الطلاق أو شراكة غير مثمرة، فقد أعطاها العمل حرية الاختيار إما البقاء عازبة وإما الدخول في شراكة حقيقية وناجحة مع رجل يحترم قراراتها واختياراتها ويعاملها كإنسان كامل الأهلية.

يعتقد البعض أن الحرية الاقتصادية للمرأة العربية والخليجية قد أعطتها جرأة كبيرة وتحدياً على كسر التابوهات الاجتماعية ونظرة المجتمع وتسمياته، حيث لم تعد المرأة الجديدة تخشى أو تهتم لمصطلح «عانس» أو مطلقة.

في نظر البعض فإن تلك الجرأة، على الرغم من أنها دلالة على تمكّن المرأة، إلا أنها تشكل عائقا، في العديد من الأحيان، في سبيل خلق علاقة زوجية ناجحة، وهذا الأمر في حد ذاته يسبب قلقا اجتماعيا متزايدا مما له من تداعيات على قضايا مجتمعية أخرى كالتركيبة السكانية والهوية الوطنية.

المرأة الخليجية، مثلا، أصبحت أكثر قدرة على اتخاذ القرارات المصيرية وخاصة تلك المتعلقة بحياتها الخاصة، وعلى الرغم من أهمية هذه القضية في نظر المدافعين عن حقوق المرأة إلا أنها وفي ظل الظروف الاجتماعية التي لا تزال تحكم العلاقات الزواجية في الخليج العربي فإن تلك القضية هي المسبب الأول لقضايا اجتماعية أخرى صعبة أي تأخر سن الزواج وبالتالي الإنجاب.

في واقع الأمر فليست دول الخليج العربي هي الوحيدة التي تعاني من مشاكل الحداثة وتداعياتها الاجتماعية، فهي قضية عالمية تأثرت بها مجتمعات كثيرة وذات تقاليد راسخة في القدم كالهند والصين واليابان وغيرها، ومع ذلك تعاملت هذه الدول مع قضايا الحداثة بحذر.

استطاعت هذه البلدان أن تضع حلولاً عملية تفتح فيها كافة الفضاءات للمرأة في الوقت الذي تعمل فيه على سن التشريعات والقوانين التي تحافظ على الأسرة وعلى الترابط الاجتماعي للحؤول دون تعرضه لمشاكل الحداثة وتداعياتها.

في واقع الأمر فإن الإمارات هي الأخرى قد سنت الكثير من القوانين والتشريعات التي تحافظ على المكتسبات التي حصلت عليها المرأة للحفاظ على التركيبة الاجتماعية والهوية الوطنية للمجتمع، ولكن طبيعة مجتمعات الخليج العربي عموما قد تقف عائقا دون تمكن تلك المجتمعات من صد تيارات الحداثة أو الوقوف في وجهها.

إن قدر المرأة ليس فقط في مجتمعاتنا العربية ولكن في العموم، أن تكون مؤشرا ودلالة مهمة على المتغيرات الاجتماعية والفكرية التي تمر بها هذه المجتمعات. فالمتغيرات الفكرية التي تحدث في حياة المرأة دليل قوي على المدى الذي تقطعه المرأة للارتقاء بذاتها، كما أن تعاطي القيادة السياسية والثقافة المجتمعية مع قضايا المرأة دليل قوي على مدى المكانة التي أصبحت تحظى بها المرأة في المجتمع.

 

 

Email