قراءة في العلاقات الإماراتية الألمانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

برهنت الزيارة الأخيرة التي قامت بها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى دولة الإمارات على عمق العلاقات الثنائية بين الإمارات وجمهورية ألمانيا والمكانة التي تحظى بها الإمارات في السياسة الألمانية على مختلف الصعد.

اقتصادياً، تعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري لألمانيا في المنطقة، ولهذا لعبت ألمانيا دوراً كبيراً وداعماً لإلغاء تأشيرة الشنغن لرعايا الإمارات في تمهيد غير مسبوق لزيادة حجم التبادل التجاري والثقافي بين البلدين.

صحياً، تعد ألمانيا مقصداً مهماً لرعايا الإمارات في مجال الرعاية الصحية، لما تتمتع به المانيا من تقدم كبير في مجال الخدمات الصحية والعلاجية، إضافة إلى ذلك فهناك قواسم واهتمامات مشتركة بين البلدين خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وفي مجال استخدام القوة الناعمة، فمثلاً جاء تشكيل دولة الإمارات مؤخراً لمجلس القوة الناعمة تكراراً لتجربة ألمانيا في هذا المجال، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم تدخل ألمانيا أي حرب، وإنما اعتمدت على علاقاتها الخارجية وعلى حسن التعامل مع الدول الأخرى في إدارة علاقاتها الدولية.

العلاقات الإماراتية الألمانية قديمة ومتجذرة ومبنية على ثوابت ومعتقدات آمنت بها قيادات البلدين، فعلاقة دولة الإمارات الرسمية مع ألمانيا بدأت مع قيام الاتحاد، ولكن الاهتمام الألماني بالإمارات قديم ومتجذر، فتقدم ألمانيا في مجال السكك الحديدية ومثال على ذلك سكة حديد برلين- بغداد أدى إلى مد نفوذها إلى منطقة الخليج والعالم العربي مستفيدة من ضعف الدولة العثمانية.

أما تجارياً فقد أنشأت ألمانيا شركة «الفونكهاوس» التي مارست نشاطها في مجال شراء الأصداف واللآلئ، وتأسس لهذه الشركة فروع في عدد من دول الخليج الأمر الذي دفع الإنجليز للتصدي لنشاط هذه الشركة باعتبار أن منطقة الخليج تعد احتكاراً بريطانياً، غير أن الألمان واجهوا تلك الادعاءات وتمكنوا من الحصول على توكيل من شركة هامبورغ الألمانية للبواخر، التي امتد نشاطها للخليج وافتتحت فروعاً في عدد من موانئ الخليج.

إضافة إلى ذلك، فإن نشاط الشركات الألمانية امتد ليشمل الأوكسيد الأحمر في جزيرة أبو موسي والطنبين وذلك قبل الحرب العالمية الأولى، وكان النشاط الألماني في الخليج عموماً يقلق الإنجليز الذين يرون في ألمانيا خصماً لهم في المنطقة لا بد من إيقاف نشاطه. وتذهب المصادر التاريخية إلى أن موقف الإنجليز تجاه النشاط الألماني في المنطقة استم دوماً بالترقب والحذر للتعرف إلى ما سوف تنتهي إليه جهود الألمان في المنطقة.

أدت الحرب العالمية الثانية إلى إحداث متغيرات جمة على الصعيد العالمي أهمها هزيمة ألمانيا وانقسامها إلى دولتين غربية وشرقية بينما أسفرت الحرب عن انتصار بريطانيا وإن خرجت من الحرب منهكة اقتصادياً. وبينما اختارت بريطانيا التخلص من وطأة الحرب عن طريق تقليص مستعمراتها في المشرق اختارت ألمانيا طريقاً مختلفاً هو استخدام القوة الناعمة التي رسمت لألمانيا طريقاً مختلفاً عن طريقها السابق وسمعة ميزتها بين أمم أوروبا.

كانت المساعدات للدول الأخرى والتعامل الدبلوماسي الراقي واحترام الآخر هو ما سعت ألمانيا لتحقيقه مع العالم من حولها. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت صورة ألمانيا لدى الآخر مختلفة كل الاختلاف عن تلك الصورة التي كان أدولف هتلر يحاول رسمها لها.

إنها القوة الناعمة التي ميزت السياسة الألمانية في عصرنا الحالي عن غيرها وهي نفسها السياسة التي تسعى الإمارات لتحقيقها. إن القواسم التي تجمع دولة الإمارات اليوم مع جمهورية ألمانيا هي قواسم مهمة ومشتركة يأتي على رأسها الجهود المشتركة لمقاومة الإرهاب الذي ينتشر في العالم ويحتاج إلى توحيد الجهود والرؤى المشتركة لكبح جماحه، ولهذه اتخذت ألمانيا والإمارات خطوات تعاون غير مسبوقة للتعاطي مع هذه القضايا لتحقيق قيم السلام والتعايش السلمي والتسامح الذي تقوم عليها ثوابت هاتين الدولتين.

 

 

Email