الخلاص من الكراهية

ت + ت - الحجم الطبيعي

جلست تلك الطالبة الأميركية من أصل لاتيني في الفصل الدراسي في أحد أهم الجامعات الأميركية العريقة، تفكر في الذي سيحدث لو أن أحداً من أفراد عائلتها قد تم ترحيله من قبل السلطات الأميركية إلى الخارج؟.

ماذا حدث للمجتمع الذي ترعرعت فيه طوال حياتها، والقائم على التعددية وقبول الآخر، والذي يعتبر بوتقة انصهر فيها على مدى قرون أعراق مختلفة وخلفيات متنوعة؟ تلك هي بعض من الهواجس التي باتت تدور في رؤوس المهاجرين، ليس إلى الولايات المتحدة فحسب، بل إلى الكثير من دول العالم، فمن جراء الإرهاب الذي يضرب أنحاء متعددة من بقاع العالم، وفي محاولة لحماية أنفسها، اتخذت العديد من البلدان حول العالم إجراءات داخلية وخارجية وقائية لحماية أمنها القومي ومواطنيها في الخارج من خطر الإرهابيين، ومن تلك الدول، الولايات المتحدة الأميركية.

فقد اتخذت أميركا مؤخراً عدة إجراءات لحماية أمنها القومي، منها على سبيل المثال، منع دخول رعايا عدد من البلدان الإسلامية إلى الولايات المتحدة، ومنها ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، حتى أولئك الذين أمضوا مدداً طويلة من حياتهم في الولايات المتحدة الأميركية، لقد استطاعت تلك العمليات الإرهابية أن تغير من الكثير من المفاهيم المتعلقة بالحريات العامة والقيم التي قامت عليها بعض المجتمعات.

بالنسبة للدول العظمى، فقد تغير وجه ومفهوم الإرهاب خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإذا كنا قد نسينا دروس التاريخ، فمن المؤكد أننا لم ننسَ تلك الأيدي الفلسطينية الصغيرة، والتي اعتبرت حينها «إرهاباً»، وهي ترمي الحجارة في كل اتجاه لترد على رصاص العدو الصهيوني «الإرهابي»، وقد تتغير المفاهيم وتتغير الصور والسياسات، لكن الصور السوداء والأعمال البربرية التي تهز كيان الإنسان، لا يمكن أن تمحى من الذاكرة والأعماق.

في الحقيقة أن معظم الإرهابيين وقوى الظلام، لا يدركون الآثار التي تخلفها تصرفاتهم غير الإنسانية على العالم، وإلا كانوا أناساً مختلفين.

المغول الذين دمروا مكتبات بغداد وأحرقوا الأخضر واليابس، تحولوا في الهند إلى إمبراطورية خلفت لنا أجمل صروح الهند، ألا وهو تاج محل، رمز الوفاء والجمال.

إننا نريد أن نقتلع من نفوس الأجيال القادمة كل ما يدفعها إلى الانجراف في طريق الإرهاب، وتحريرها من عقدة الكره ونبذ الآخر المختلف، والتحرر الفكري من موروثات مجتمعية بالية قائمة على التناقض.

لقد تخلصنا منذ عقود من الاستعمار والتخلف، لكن مناهجنا التعليمية تبقى في معظمها كما هي، نضيف لها كل يوم فصولاً تهاجم الاستعمار، لكنها تمجد الغرب وتكرس في نفوس الدارسين الصغار عقدة الدونية.

المراجع تتبنى نظريات الغرب ووسائل الإعلام ترسخ ثقافة الغرب، ومما يؤسف له، أن التحرر الفكري عند البعض لا يخرج عن كونه شعاراً يدّعونه، بينما يتصرفون عكس مضمونه، فليس أسوأ من الثبات على موروثات بالية، إلا تركها لاعتناق مبادئ ومعتقدات أضل منها.

إذاً، فالتحرر العقلي من الموروثات البالية القائمة على التناقض، هو أول خطوة نحو التخلص من عقدة الدونية، ومن الخطوات الأخرى المهمة، هي النظر إلى قيمنا الدينية نظرة موضوعية، لتجريد تلك القيم من دسائس المغرضين وعواطف المتحمسين، وبذلك نستطيع استنتاج عوامل النهضة وأسباب الانحطاط، فنتمكن من بناء مستقبل أفضل لمجتمعنا، بالاستفادة من أخطاء الماضي.

لقد بنى المسلمون الأوائل دولتهم على قيم أصيلة ومتجددة معاً، وظلت دولة الإسلام واحة سلم وأمان، حتى عندما انقسم العالم إلى قسمين، شرقي مسلم وغربي مسيحي.

العداء بين الشرق والغرب كان دوماً عداء تقليدياً، زاد منه حدة الانقسام الديني، فالخلافات القائمة على الدين تكون عادة من أقسى الخلافات، لاعتقاد كل فريق بأنه ينفذ إرادة الله على الأرض، ويؤدي واجباً مقدساً انتدبه الرب للقيام به.

ربما تكون دوافع الخلافات، وحتى بعض الحروب، في الأصل دينية، ولكن لا يلبث الناس أن ينسوا الدين، وتصبح أهداف الحروب مادية، وهي السيطرة والاستغلال واستعباد البشر واستعراض القوة والنفوذ.

أن العالم اليوم وهو يعاني من الهجمات الإرهابية التي تنتشر من مكان إلى آخر، يذكرنا بمراحل تاريخية سابقة مر بها العالم، واستطاع بتضامنه وتوحيد جهوده أن يجتاز تلك المرحلة بامتياز، فليس أصعب من مراحل الحربين العالميتين الأولى والثانية، واللتين نشرتا الدمار والفقر والقتل في كل أرجاء العالم، حينما كانت قيم التعصب القومي منتشرة في العالم تماماً، كما تنتشر اليوم قيم التعصب الديني.

Email