استهتار أميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد موجة التفاؤل النسبي التي سادت بطي صفحة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وانتخاب دونالد ترامب، جاء سيد البيت الأبيض الجديد، بما هو استكمال للازدراء الأميركي للحقوق العربية، بل بما هو أشد وأنكى من كل ما سبق.

بدأت إدارة ترامب بلقاء بين الرئيس وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أسفر عن تعهد واشنطن بنقل سفارتها في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وكذلك تشجيع نتنياهو على تهويد ما تبقى من فلسطين، بالتوسع في المستوطنات القائمة، وبناء مستوطنات جديدة، على جثث الفلسطينيين وجثث قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

يقول قادة الدولة الصهيونية، إن «هيكل سليمان» موجود في القدس الشرقية، ولم تجد إسرائيل منذ أنشأتها بريطانيا في قلب الوطن العربي، حجراً واحداً يدل على وجود هذا الهيكل.

المثير للدهشة أن ترامب قرر الاعتراف بالقدس العربية المحتلة عاصمة للدولة اليهودية، تفعل فيها ما تشاء، ونعرف جميعاً ويعرف ترامب، أن إسرائيل تبيت النية لهدم المسجد الأقصى، وربما كنيسة القيامة، أي أولى القبلتين وثالث الحرمين، وأحد أهم الرموز الإسلامية، وكنيسة القيامة أحد أهم رموز المسيحية، ومن ثم، فقد رقت مشاعر ترامب وانتفضت «نخوته!»، بفتح الطريق للوهم اليهودي وازدراء حقوق العرب، مسلمين ومسيحيين، الماثلة أمام أعين العالم أجمع.

تعداد يهود العالم يقدر بنحو خمسة عشر مليون نسمة، ليسوا جميعاً مؤمنين بالعقيدة الصهيونية، بينما يتراوح عدد العرب، مسلمين ومسيحيين، بنحو ثلاثمئة وخمسين مليون إنسان.

صحيح أننا، نحن أكثر من يزدري الإنسان في وطننا العربي، ويكفي إلقاء نظرة على خريطة العالم، لنقف على مدى الخراب السائد في دولنا، وتشويه الإسلام، دين الأغلبية، بما لم تنجح في تشويهه أعتى الدول عداء لهذا الدين الحنيف، ولكننا نعرف، وفقاً لتصريحات مسؤولين كبار، أن تفتيت الوطن العربي إلى دويلات عرقية وطائفية، مشروع أميركي، كما صرح وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنغر، وأن التنظيمات والحركات اختراع بريطاني، انتقلت بعد أفول الإمبراطورية، إلى حضن وريثتها، الولايات المتحدة، لتنفيذ بنود «الفوضى الخلاقة» لصاحبتها كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية في عهد بوش الابن.

لنا أن نسأل عن مدى شرعية الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون الدول العربية، ومنح إسرائيل صكاً على بياض، لامتهان حقوقنا وسيادتنا على أراضينا، بازدراء الشرعية الدولية أيضاً، ثم مخاطبتنا بعد ذلك، وكأنها حامية حقوق الإنسان في العالم.

لا شك أن وزر ما وصلت إليه أحوالنا، يقع في المقام الأول علي عاتقنا نحن، وليس أبلغ من تفتيت ما لم تبتلعه إسرائيل من أرض فلسطين، إلى دولتين، أو بالأحرى، دويلتين، الضفة الغربية وغزة، وهو ما فاق أشد أحلام إسرائيل جنوناً.

أتصور، أو في الحقيقة، أتمنى أن يطلع كافة القادة العرب الذين سيلتقون ترامب، على مدى خطورة قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأنه لو تم ذلك، لفقد القادة العرب شرعيتهم في أعين مواطنيهم، خاصة لو تعامل الحكام العرب مع رئيس أميركي يكن كل هذا التجاهل، حتى لا نقول الاحتقار، للشعب العربي وحقوقه..

إن المشهد الراهن والدموي، في بعض الدول العربية، وسط عجز عربي كامل، قد يغري بعض القوى بالاستهتار الشديد بحقوقنا ومقدساتنا، بوهم أن بعض الحكومات العربية، وبمساندة أميركية، قادرة على لجم الأفواه، وغض الطرف عن انتهاكات إسرائيل، غير أن هذا الحساب يفتقر إلى عبرة التاريخ وخبراته، وأقرب الأمثلة على ما أعتقده، هو الرهان على قبول الشعب المصري فكرة التعامل مع إسرائيل بعد زيارة الرئيس الأسبق أنور السادات للقدس المحتلة، حيث قاطع الشعب كافة السلع الإسرائيلية، وكافة أوجه التعامل معها.. أي بوضوح، الشعب العربي سوف يفرض إرادته بمقاطعة الولايات المتحدة وكل ما تنتجه، وكذلك سينزع الشرعية عن أي حاكم يتعامل مع واشنطن، إذا ما أقدمت على جريمة نقل سفارتها إلى القدس المحتلة.

نعم، أقول جريمة، لأنها كذلك فعلاً، وليرجع ترامب وإدارته إلى القرارات الدولية، وكفانا ما فعلته بنا بريطانيا، وما تفعله بنا وريثتها.. وسوف يوقنون أن الشعب هو القائد، والشعب هو المعلم.

Email