مواجهة مفتوحة في واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

من غير المقبول في أي نظام ديمقراطي أن يحدث انقضاض على قواعد اللعبة الديمقراطية أو خروج على المبادئ الدستورية بمجرد الوصول إلى قمة السلطة عبر صناديق الانتخاب.

الديمقراطيات الغربية ومؤسساتها تتباهى دوماً بمبدأ«الفصل بين السلطات»وتعتبره أيقونة النظم الحاكمة والحامي الأساسي للديمقراطية ذاتها والضامن الأكبر لتوازن المجتمع بعدم تغول مؤسسة سياسية على الأخرى,وهي في الأساس ثلاث مؤسسات؛التشريعية والتنفيذية والقضائية,أضف إليها سلطة أخرى مفترضة للإعلام الذي بات وجوده بكل أشكاله مهماً لاكتمال الواقع الديمقراطي والعمل المؤسسي للدول.

لهذا المبدأ بالفعل أهمية كبرى اتضحت بشكل لا يقبل الشك في المواجهة الجارية في الوقت الراهن بين الرئيس ترامب ومؤسسته القضائية,ونظن أنها الأولى من نوعها في التاريخ السياسي الأميركي أو على أقل تقدير هي الأولى التي تواجه رئيساً أميركياً بهذا الوضوح.

وهي المواجهة الثانية التي يدخلها ترامب بشكل سريع بعد أن فتح نيرانه على المؤسسة الإعلامية التي يراها مؤسسة فاسدة والتجاوزات المسيئة,ليس هذا فحسب ولكنه مارس جموحه السياسي بتوجيه انتقادات حادة لعناصر تنفيذية في إدارته وولايات أخرى وصلت إلى حد التهديد بعزل الهيئة الدبلوماسية بأكملها إذا ما تمنعت عن تنفيذ قراراته,ليصبح الخيط رفيعاً جداً ما بين الممارسة«الشعبوية»و«الديكتاتورية»خاصة.

وأن الأزمة تطرق بقوة أبواب المؤسسة القضائية,خط الدفاع الأساسي في إنفاذ القانون وحماية دولة المؤسسات حسب قواعد اللعبة الديمقراطية على الطريقة الغربية,ولكن يبدو أن المخاوف حقيقية ومتزايدة من ممارسات الساكن الجديد للبيت الأبيض في هذا الاتجاه,.

وليس أدل على ذلك من تحذير خبراء قانونيين أميركيين من أن الولايات المتحدة باتت على أبواب أزمة دستورية بعدما أبطل أكثر من قاض فيدرالي القرار التنفيذي الخاص بمنع السفر من سبع دول في الشرق الأوسط ذات أغلبية مسلمة,والواقع أن المخاطر لن تقف عند حد المواجهة القضائية ولكنها قد تتحول إلى أزمات أو مواجهات سياسية بين أركان إدارة ترامب ذاتها وقد ظهرت مؤشراتها بالفعل.

بينما اعتبر القاضي جيمس روبرت القرار التنفيذي مخالفاً للدستور،وهو الحكم الذي انتقده الرئيس الأميركي واصفاً إياه بالسخيف,رأى المدعي العام في ولاية واشنطن أن قرار ترامب انتهك الدستور الذي يضمن حماية متساوية للأشخاص في مادته الأولى.

كما أنه خالف التنظيمات الفيدرالية للهجرة والجنسية,وأبدى مراقبون معارضتهم الشديدة للقرارات التنفيذية،فالخبير القانوني ستيف بانون مثلا قال إن الأمر غير واضح بما يكفي،زيادة على تعارضه مع عمل الإدارة في البلاد وتسببه بحالة من الفوضى في المطارات,أما عضو اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ باتريك ليهي، فقال إن لدى ترامب كرهاً للقانون وهو أمر خطير بحسب قوله ووصف قرار حظر السفر بالمخجل والتمييزي ضد المسلمين.

البروفسور في جامعة جورجيا الرسمية دانيال فرانكلين نظر للمسألة من وجهة نظر أخرى ترتبط بالتيار الشعبوي وأنصاره:إنهم يتوقون للقتال،هذا ما يفعله الشعبويون،وأعتقد أن هذه هي الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم فيها،ربما ليس في هذه القضية، وإنما حيال شيء آخر.

الجملة الأخيرة على وجه التحديد هي مربط الفرس كما يقول المثل الشائع,ويتمثل في قدرة دولة المؤسسات التي هي بتعبير آخر دولة القانون على الصمود في مواجهة السياسات الشعبوية,وهي مرة أخرى سياسات يمينية أو قومية متطرفة تمثل تهديداً للكيانات الأخرى وتعلي النعرات القومية مما دفع البعض إلى اعتبارها سياسات انعزالية,ولكنها في الواقع سياسات فوقية قد تدوس في طريقها عدداً من المؤسسات والأجهزة القانونية دون تراجع أو استسلام حتى ولو خسرت جولة مبكرة.

بات السؤال المطروح حاليا,هل سيختار ترامب مساءلة الصلاحية القانونية لقاضٍ خالفه في الرأي،وماذا ستفعل الوكالات الحكومية الأخرى التي ترى ضرورة المضي في تنفيذ قرار ترامب؟.

بذلك يدخل مسلسل المواجهة القضائية بين إدارة ترامب والمحاكم الفيدرالية فصلاً جديداً خاصة مع تقديم البيت الأبيض وثائق تدافع عن أوامر الرئيس بمنع الهجرة من الدول السبع،ولاشك في أن المواجهة ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات .

 

Email