ما نتوقعه من إدارة ترامب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يدور جدل واسع في العالم، حول دور بعض الدول العظمى والكبرى في تشكيل واستخدام تنظيمات وحركات الإسلام السياسي، سابقاً، وماذا جنت وجنى العالم من جراء الاستعانة بهذه التنظيمات، ولم يعد بوسع كثيرين التشكيك في مدى فداحة مسؤولية بعض الدول العظمى، في فترة ما، عن هذه التنظيمات، بما في ذلك داعش.

لكن ثورة الثلاثين من يونيو، والتي عبرت أصدق تعبير عن رفض حكم الفاشية الدينية، ومخطط تفتيت الوطن، سددت ضربة للمشروع، وأشاعت الارتباك في صفوف أصحابه، فظهر على السطح، ما ظل عقوداً طويلة داخل «معلبات الديمقراطية، وحقوق الإنسان»، البراقة الزائفة، إلى آخر القاموس الكاذب المضلل.

أتوقف هنا عند واحدة من تفصيلات هذا المخطط الجهنمي، مع تأكيد ما أعتقده يقيناً، بأن أي مؤامرة من الخارج، تحتاج بالضرورة إلى أدوات منفذة في الداخل.. فلا شك أنه يصعب على المراقب للتطورات الأخيرة في مصر، إغفال الخطاب المعتمد لدى فصائل الإسلام السياسي، والذي تتفاوت حدته، ما بين جماعة الإخوان وبين السلفيين، بخصوص المصريين المسيحيين.

ورافق ذلك ازدياد العمليات الإرهابية، بتفجير الكنائس وحرقها، في مشهد لم تعهده مصر في تاريخها، على ما أعتقد.. وبينما تصاعدت وتيرة استهداف الكنائس بالحرق والتفجير، خرج علينا برلماني أميركي باقتراح قانون يمنح أميركا حق مراقبة أداء الدولة المصرية بصدد عمليات الترميم، وبغض النظر عن كون «هذا القانون» في حال صدوره، هو انتهاك فاضح للسيادة المصرية، فإنه يكشف بجلاء عن الارتباط الوثيق، بين التصعيد السلفي ضد أقباط مصر وبين الإجراء الأميركي المخالف لجميع القوانين والأعراف والمجافي للشرعية الدولية، والذي يريد في سابقة لا نظير لها، إلا في الولايات المتحدة، إضفاء الشرعية الأميركية، على جريمة انتهاك السيادة المصرية، ونعرف بطبيعة الحال، أن الدولة المصرية قامت، وفي زمن قياسي، بترميم جميع الكنائس المتضررة، وأن قواتنا المسلحة نفذت أعمال الترميم بصورة مبهرة، من منطلق أن الجيش هو جيش مصر بكل أبنائها، دون تمييز بسبب العرق أو الدين، وذلك حتى قبل وصول القانون المشبوه إلى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ الأميركي.

لقد أدى تنامي التهديد السلفي للمصريين الأقباط، إلى انتشار فكرة «اضطهاد الأقلية المسيحية» ومن ثم، وجب على أميركا التدخل العسكري في مصر لحمايتها، وبذلك يتضح الارتباط الأكيد بين خطاب المتأسلمين العدواني، وبين الدعوة إلى التدخل الأميركي، ورغم إسقاط المصريين لهذا المخطط الوضيع، إلا أنه يتعين على الدولة المصرية التصدي بقوة لأفعال التنظيمات المتأسلمة، وأيضاً لأقوالها التي تنضح بالتعصب الأعمى والإهانة لأبناء الوطن.

في إطار تغير الإدارة في واشنطن، وانتقالها من باراك أوباما، إلى دونالد ترامب، علينا أن نكشف كافة الأوراق، وأن نعمل على إقامة علاقات سوية مع كافة دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة.. على قاعدة الاحترام المتبادل.. فقد ألحق أوباما وإدارته أضراراً بالغة بالوطن العربي كله، ويكفي أن يتطلع المرء إلى خريطة المنطقة، ليدرك بوضوح تام، حجم الدمار والخراب الذي أشاعه تنظيم داعش الإرهابي أينما حل.. فلا يصدق عاقل أن داعش يصنع أسلحته ذاتياً، أو أن المنتمين إليه يتقاضون مرتباتهم من دخل ذاتي، وهو ما يؤكد تماماً، أن الولايات المتحدة ، سابقا، هي من ترك بعض التنظيمات الإرهابية التي تتدثر بعباءة الإسلام، والإسلام منها بريء، وربما أدركت واشنطن، اليوم، أن مشروع الاستعانة بالإخوان والسلفيين، قد ثبت فشله فشلاً ذريعاً، ومن هنا، فالفرصة قد تكون سانحة لإقناع إدارة ترامب، بالتعاون وفق قواعد نظيفة، تحترم سيادة الدول، ولا تسعى إلى تفتيتها.

Email