رابحون وخاسرون مع الرئيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

للانتخابات بحسب ما يقال عواقب. وكما هو الحال دائماً سيثبت السباق الرئاسي على وجه الخصوص، أن له تأثيراً خاصاً. وبينما نحن مقبلون على عصر جديد من السياسة الخارجية فمن المجدي التفكير في أمور كبيرة قد تظهر خلال السنوات الأربع المقبلة، فمن الخاسر ومن الرابح؟

أول الرابحين هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إذ يواصل بوتين والرئيس المنتخب دونالد ترامب تبادل كلمات الإعجاب، والمكالمات الهاتفية المتجانسة، والتعليقات بشأن الحاجة لإقامة علاقة جديدة بين البلدين. ويرغب بوتين، على نحو يائس، في التخلص من العقوبات التي فرضت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ودعم الدكتاتور بشار الأسد في سوريا، وقطع صلات الولايات المتحدة عن أوروبا، ولا سيما في سياق الأمن عموماً، وفي ما يتعلق بحلف شمالي الأطلسي على وجه الخصوص.

الرابح الثاني هو إسرائيل، حيث سيرحب الإسرائيليون بإعادة فرض العقوبات على إيران من خلال الولايات المتحدة وسيحاولون توسيع المستوطنات الإسرائيلية.

وحتى لو فشل الأوروبيون في مواصلة تجديد العقوبات (التي يبدو أنها ستفرض على الأغلب). سيرحب الإسرائيليون بمسألة سياسة التراجع عن الاتفاق النووي الإيراني، وسيتوقعون مزيداً من الإصغاء في البيت الأبيض مقارنة بما حظوا به خلال السنوات الـ8 الماضية، نظراً للعلاقة المشحونة بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويتمثل الرابح الثالث في الانتخابات الرئاسية الأميركية بالصين، فعلى الرغم من المناشدات خلال الحملة الانتخابية بشأن التعريفات الجمركية مع الصين، إلا أن بكين قد تكون الفائزة في ظل إدارة ترامب. فقد كانت الصين أقل رغبة في الإدارة الجديدة لأوباما، بسبب سياسة «محور آسيا»، فضلاً عن سبب آخر، وهو الدفاع عن الحلفاء في المنطقة (من دون مقابل).

سترحب بكين بصيغة (الدفع مقابل اللعب)، بينما يواصل الرئيس الصيني شي جينبينغ إعطاء التعليمات للدول الأضعف المطلة على بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه إقليمياً، مع إيجاد التوترات مع اليابان. وليس من الغريب أن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يسابق خطواته لنيويورك للمشاركة في اجتماع، مباشر، مع الرئيس المنتخب.

من هنا، فإن أول الخاسرين يتمثل بالفكرة الأساسية للتجارة الدولية الحرة، وهي أكبر الخاسرين. لقد كانت إدارة ترامب أكثر اصراراً على تلك الفكرة مقارنة بأي فكرة أخرى، وذلك على امتداد المجالين السياسي والاقتصادي. وخلال الحملة الانتخابية، كانت التجارة الحرة السمة الأساسية بحيث انتشر الشك في ما يتعلق باتفاقيات التجارة الحرة، بدءاً من اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا الشمالية وصولاً إلى الشراكة الناشئة عبر المحيط الهادئ.

يتبدى الخاسر الثاني في صورة نظام التحالفات الأمنية في البلاد، التي أتت بشق الأنفس في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من بعض التحفظات القليلة للمواقف السلبية التي اتخذتها الحملة الانتخابية ضد حلف «ناتو» والتي جاءت أخيراً، عبر الرئيس باراك أوباما، فإن الخطاب لا يزال سلبياً جداً، بشكل عام.

تتمثل الأطروحة المركزية بأنه يتعين على الحلفاء أن يكونوا متحضرين للدفع لقاء الخدمات المقدمة من للدفاع عنهم (في كل من آسيا وأوروبا) ويجب أن يسهموا بحصة عادلة من أجل الدفاع المشترك.

وبينما يتم حث أعضاء حلف «ناتو» على دفع ما نسبته 2% من الناتج المحلي الإجمالي وتخصيصه لمنظومة الدفاع التي اتفق عليها «ناتو» (والتي فشلت دول كثيرة في تنفيذها) فإن ذلك يعتبر في واقع الأمر اتجاهاً سائداً حقيقياً. ويأتي بتبعات، كاتهامات حادة للغاية أدت إلى توتر الأعصاب في كل من أوروبا وآسيا.

أما الخاسر الثالث، فهم المهاجرون الذين سيتم تقليص أعدادهم، وسيتم بناء أسيجة وحواجز على الأغلب، كما لن يسمح لدول بعينها بإرسال أي شخص، كما أن المحادثات حول الولاء والعوائق الدينية لا تزال جزءاً من النقاش.

وكوني أدميرالاً يحمل أربعة نجوم، فقد زرت أكثر من مائة سفارة حول العالم. ولقد رأيت طوابير من السكان المحليين وهم يسعون للحصول على التأشيرات لدخول بلدنا. وبموجب الإدارات الجديدة فإن العوائق بالنسبة للمهاجرين ستكون هائلة بالفعل.

أما رابع الخاسرين خلال الانتخابات فيتمثل بالاتفاقية النووية الإيرانية التي تم التفاوض عليها من قبل وزير الخارجية جون كيري، ووافقت عليها السلطة التنفيذية وحسب. لقد بات فريق الإدارة الجديد يسخر من الاتفاقية على نحو واسع، عبر طيف من ممثلين محتملين في الحكومة الجديدة.

وغالباً ما علق ترامب خلال الحملة الانتخابية وأوضح رغبته في إلغاء الاتفاق وإعادة فرض العقوبات. سيتسبب ذلك بقلق عميق في إيران، وبالطبع في أوروبا أيضاً، نظراً لأن كثيراً من الشركات موجودة هناك هرعت لإجراء أعمال تجارية مع طهران بعد إسقاط العقوبات.

من الواضح أنه سيكون هناك تركيز أقل على انخراط أميركا في العالم (ولا سيما في مسائل الدفاع والأمن والتجارة) إلى جانب اتباع التقشف في ما يتصل بسياسات «أميركا أولاً»، وهو ما أكده دونالد ترامب باستمرار.

سيعمل كل ذلك على إيجاد مزيد من الفراغ في العالم، والطبيعة لا تقبل الفراغ، حتى لو أن كلاً من الرئيس بوتين وشي جينبينغ يعتقد أنها ستكون فرصة حقيقية.

الأسماء التي ذكرت من أجل أدوار السياسة الخارجية ستثير النقاش حول مجموعة متنوعة من وجهات نظر والخبرات، وبالتالي فإن تفاصيل السياسة الخارجية والتي لن تكون أولوية في إدارة ترامب، قد تتحول وتتغير. بيد أن قائمة الفائزين والخاسرين، والمواضيع العامة المبينة أعلاه ستظل نفسها على الأرجح.

* عميد كلية القانون والدبلوماسية بجامعة تافتس الأميركية

 

 

Email