مكتبة محمد بن راشد والقوة الناعمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«إن من يدعم القراءة يدعم صناعة الحضارة، ويدعم اقتصاد معرفة، ويدعم بناء أجيال تبني مستقبل الإمارات»، بهذه الكلمات، حدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مفاتيح نهضة الأمم بمحاورها المختلفة، بدأها بالقراءة، كونها الداعمة لصناعة الحضارة، كيف لا، والعلم هو صانع الحضارة ومحركها، والضامن لديمومتها عبر الأجيال.

وما انهارت حضارات، إلا حين انتشر الجهل، وابتعد أصحابها عن أسباب حياتها، ثم تلاها باقتصاد المعرفة القائم على التخطيط، والذي تلعب فيه المعلومة الدور الأكبر في اتخاذ القرار، وفي تحديد الأولويات، والذي يعظم من الجهد والوقت والمال، بعيداً عن أدوات الإنتاج التقليدية.

فإن الاقتصاد الجديد مبني على الإنسان الذي يملك مهارات الإبداع والابتكار، ذلك الاقتصاد الذي أصبح يتنامى بشكل متسارع، والاستثمار فيه يمثل مصدر الدخل الأكبر للعالم المتقدم، ثم الإنسان الذي يقيم كل ذلك بالفكر والمعرفة، والإنسان هو الصانع لذلك، والراعي له والمستفيد من ثماره.

والشاعر الحكيم يقول «بالعلم والمال يبني الناس ملكهم.. لم يبنَ ملك على جهل وإقلال»، والعلم جاء قبل المال، باعتبار أنه الطريق إلى الرفاه الاقتصادي، كما أنه الوسيلة إلى تعظيم مردود المال، إن لم يكن هو الطريق إليه ذاته، والشاهد أن كثيراً من الأمم التي تعرضت لنكبات أتت على الأخضر واليابس، استطاعت أن تقوم من كبوتها، بما تحويه عقول أبنائها من علم ومعرفة.

لذلك، فإن الإمارات، التي جعلت قيادتها من القراءة تحدياً، تنتقل اليوم بهذا المشروع الكبير إلى مراتب أكبر من التعامل مع هذا التحدي، عبر واقع مادي على الأرض، من خلال بنية تحتية زاخرة، وحاضنات للعلم والمعرفة، والتي ستمثل معلماً أساسياً، تضاف إلى معالم بلادنا التي يقصدها الناس من مختلف أرجاء العالم، وأكرم بالثقافة معلماً، وبالعلم عنواناً ومرحباً بطلابه من شتى بقاع الأرض.

كما أن الإمارات، التي انتهجت دوماً سياسة البناء لا الهدم، وجعلت من أرضها مرتكزاً للتسامح، وشيدت له مؤسسات ومعاهد، وكانت دوماً عاصمة للعطاء الإنساني، وحرصت على مد يد العون لكل منكوب أو مصاب أو ملهوف، تخرج اليوم من مكنون إبداعاتها الجديد، وتؤسس للمكتبة الأكبر عربياً.

والذي يأتي متسقاً مع السياق ذاته، يوم جعلت القيادة الرشيدة من الاستثمار في الإنسان، وسيلة للحفاظ على ما تحقق من مكتسبات، والولوج إلى عالم قائم على المعرفة والعلم، ولأن القيادة التي أرادت الريادة هدفاً، لم تعتمد على ذلك بدعوات للفعل دون أن ترسخ الأدوات الداعمة.

لذلك، ومن أهمها المكتبات الكبرى التي ستمثل علامة فارقة في التوعية والتنوير الثقافي، حين تجعل من العلم غاية، والمعرفة قيمة في ذاتها، كما أنه سيكون لها المردود المؤثر في مستوى مخرجات التعليم في مختلف المراحل، حين تنمى لدى الطالب مهارة البحث العلمي، واصطفاء المعلومة والصبر عليها وسبل الاستفادة منها، ليخرج لنا المتعلم الواعي بما يحيط به، القادر على توظيف ما يملكه من معرفة لخدمة مجتمعه.

إن حضارات الأمم ارتبطت بالمعرفة، وتزامناً مع تشييد القلاع الحصينة للدفاع عن البلاد ضد كل معتدٍ، يتم تشييد حاضنات المعرفة والمكتبات الكبرى، وكان ما تنتجه عقول المؤلفين يكافأ بميزان من ذهب، يومها كانت جامعتنا العربية قبلة لطلاب العالم من غربه وشرقه، وما أفل نجم أمة من الأمم، إلا وسبق ذلك تراجع ثقافي وفكري، والتاريخ خير شاهد، لذلك، جعل المعتدون والغزاة من المكتبات ودور العلم هدفاً دائماً، وكأنه الطاقة الكبرى التي تمد أصحابها بقوة الفعل والإرادة.

إن الإمارات التي فتحت أبواب جامعتها لأبناء أمتها العربية ومحيطها الإقليمي، تفتح اليوم باباً جديداً لتحصيل الخير والنماء، دار حيطانها تتماسك بنور المعرفة، وجدرانها ترتل أناشيد السلام وتلاقح الحضارات لا صراعها، إن من يؤسس للمعرفة داراً ويفتح للعلم باباً، يغلق أمامها كل أبواب الجهل والتغييب والإفساد، ويؤسس لعلاقة بين أبنائنا والكتاب من سني حياتهم المبكرة.

وتضيف إلى قوة الإمارات الناعمة ودورها الثقافي، قوة جديدة، وهو ما أكد عليه صاحب السمو قائلاً «نريد المكتبة ملتقى ثقافياً وحاضنةً معرفية ومركزاً حضارياً في المنطقة»، مشدداً على الدور الذي ستضطلع به المكتبة في المساهمة في ترسيخ القراءة، وتحويل الثقافة إلى منتج مجتمعي يرفد المسيرة التنموية في الدولة.

إن ذلك المشروع المعرفي الكبير، يعد حاضنة ثقافية، بما تحمله الكلمة من معاني الرعاية التي تخرج لدولتنا ولأمتنا العربية كفاءات ثقافية في مختلف المجالات، كما أنها ستكون دار الموهوبين والنابغين، الذين سيكونون نتاج مختلف التفاعلات الثقافية، ذلك أن الأمة التي تقرأ، هي أمة ذات وعي، وإن وجود الحاضنات الثقافية، يمثل قوة دفع للحركة العلمية، ويجعل البحث العلمي ثقافة مجتمعية وقوة مضافة.

 

Email