من الاستثمار في الإنسان إلى صناعة العلماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

هكذا هي الإمارات قيادة وشعباً لا تقنع بمرحلة في طريق البناء مهما كان وجاهتها حتى تتطلع إلى مرحلة أخرى، تبدو لمن ينظر إليها ضرباً من الأحلام حتى يجدها أمامه ملموسة نتائجها.

وهل هناك عمل غيّر وجه الأرض لم يسبقه حلم، عمل له أصحاب الهمم العالية، ونظر إليه بترقب حيناً وبإنكار حيناً ممن ارتضوا الدنية في دنياهم. من هنا كانت المبادرات الاستراتيجية التي اعتمدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم .

والتي تهدف إلى خلق بيئة تحفّز على الابتكار والبحث العلمي، وصناعة جيل من العلماء والباحثين الإماراتيين بما يعزز المسيرة الوطنية نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة، متسقة مع طبيعة الحالة التنموية للإمارات، مؤكداً ثقة الدولة بشبابها من العلماء والإيمان بقدراتهم وما يمكن أن يقدموه لبلادهم.

والحق إن ما حدث على أرض الإمارات من تطورات تنموية خالفت قواعد التنظير، بما فيها الفترات الزمنية التي تحدثت عنها أدبيات عملية التنمية، مما جعل الكثير من المنظرين يعيدون النظر في المراحل التي تمر بها عملية التنمية، هذا من جانب أما الجانب الآخر فيتمثل في أن عملية التنمية في الإمارات امتازت بأنها لم تكن عشوائية لكنها كانت مخططة وهذا الأصعب.

وامتازت بسرعة الحركة وإرادة اتخاذ القرار ووعي شديد من القيادة الرشيدة، وما زال لما سيحدث في المستقبل القريب كذلك على فترات أطول، ولم تكن الحركة عشوائية أو ردات للفعل بل كانت تمثل الفعل ذاته، وتمت على صعد وفي مجالات مختلفة في وقت واحد بتوازن، كانت محصلته ذلك التقدم المجتمعي الشامل الذي شعر به المواطن فآمن بالتنمية ودفع بها.

ساهم في ذلك أن الآليات التي تعاملت بها للوصول إلى المبتغى كانت على قدر طموح وقوة الهدف، فكان الابتكار هو الطريق، لأنه مع حالة كهذه وبهذه الوتيرة المتسارعة في ظل ظروف شديدة التعقيد لا يصلح التعامل الرتيب والمعتاد بل يحتاج دائماً إلى النظر خارج الصندوق للبحث عن حلول وأدوات مبتكرة وغير تقليدية.

فأصبح الابتكار ثقافة مجتمعية تضرب بنورها كل المجالات وعلى كل المستويات لا خيار لأبناء الوطن في الأخذ به، لأن الأهداف غير التقليدية لا يمكن تحقيقها بآليات تقليدية، لذا تحول الابتكار إلى حتمية مجتمعية وحاجة، والحاجة دائماً عنصر ضاغط يفجر في الفرد طاقات خلاقة لم يكن يتوقعها.

والحق أن قصة اتحاد الإمارات ورحلة البناء التنموية لم تكن يوماً ممهدة لكنها كانت دائماً محاطة بالتحدي الذي قبلته وعملت في ظل ظروفه، وهذه المبادرات تشكل تحدياً جديداً لدولة تفضل دائماً ذلك الطريق، لأنها السبيل إلى الوصول إلى غايات كبرى جديرة ببذل الجهد، لكن السير فيه ليس بدوافع عاطفية أو دفقات حماسية لكنه محسوبة خطواته، معدة أدواته.

ومخطط لمسيرته عبر تشكيل منهج متكامل لتحقيق التفوق الذي يضمن للإمارات دوماً تميزاً عالمياً للوصول إلى ذروة سنام البحث العلمي وعلاماته وهو الطريق إلى نوبل، وصناعة العلماء تحدٍ آخر تحتاج إلى تضافر عوامل عدة منها الدعم الدائم لثقافة التميز لدى أبنائنا منذ نعومة أظفارهم، والسعي الدؤوب لاكتشاف الموهوبين من المراحل الدراسية المبكرة ورعايتهم والدفع بهم والاستماع إليهم وتعظيم أفكارهم عبر مناهج تعليمية وطرق تدريس لا تعتمد على التلقين بقدر ما تعتمد على التفكير والتحليل والقدرة على الاستنباط وتكوين رؤية نقدية.

ولا شك أن إنشاء جائزة محمد بن راشد للشرف العلمي تؤكد الدعم غير المحدود للباحثين وتكريماً لأهل العلم من الطلبة والباحثين، كما أن تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على أن العلماء والأكاديميين والباحثين شركاء الحكومة في مواجهة تحدياتها تؤكد الدور المطلوب من الجامعات ومراكز البحث العلمي في تحمل مسؤوليتها الوطنية في دعم مسيرة العلم والابتكار عبر التحدث الشامل والمستمر في البرامج المطروحة وأساليب التدريس .

وأن يكون ما يدرس يمارس، لتكون قادرة على رفد المجتمع بطاقات شابة قادرة على الإبداع والتجديد، إلى جانب ذلك الاهتمام بالبحث العلمي وتسويقه لكي تكتمل الحلقة بين المجتمع والجامعة باعتبارها بيتاً للخبرة قادراً على المساهمة بكوادرها في الترقي العلمي لأبناء الوطن ووضع التحديات المجتمعية على طاولة البحث، هنا يتعاظم دور الجامعة في مسيرة البناء.

في تقديري أن هذه المبادرات بمثابة الدماء التي تسري في العروق فنحيا بها، وروح جديدة تسري في الجسد فيسعد، ومن دونها يذبل وتزهق الروح، إنها تمثل أجندة للعمل الوطني، وبوصلة تحدد لنا ملامح الطريق والغاية مما نقوم به في تناسق وتكامل.

إن وطنا ترى قيادته الرشيدة أن العلماء نخبة المجتمع وتقديرهم تقدير لمستقبل دولتنا لجدير ببذل الروح دونه، إن الإمارات التي استثمرت في الإنسان عبر عقود تتطلع اليوم برؤية واضحة إلى صناعة جيل من العلماء، وكما أدهشت العالم بما حققته ستدهشه فيما ستحققه، وإن غداً لناظره قريب.

 

Email