من أول السطر

تجديد دماء الأسواق

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن بدائل استثمارية أكثر أماناً من الأسهم، فهل مل المتعاملون قاعات التداول؟ وهل أصبحت التحركات السعرية في نطاقات ضيقة غير مجدية لهؤلاء الذين اعتادوا مضاعفة رؤوس أموالهم في أوقات قصيرة خلال سنوات سابقة؟ والأهم هل أصبح الخروج بأقل خسارة ممكنة هو الخيار الوحيد لأولئك الذين جذبتهم قصص الثراء السريع في أسواق الأسهم، وما لبثوا أن اكتشفوا أنهم ليسوا محظوظين كغيرهم، وأنهم اختاروا الوقت الخطأ للدخول؟

والمؤكد أن حركة الأسهم حالياً ليست كمثيلتها في سنوات الطفرة، وكذلك السيولة التي أصبحت أكثر شحاً وأكثر حذراً وأحياناً أكثر ذكاءً، وبالطبع لم تعد المضاربة، ولا حتى الاستثمار متوسط وطويل الأجل، يحقق العوائد نفسها في سنوات الطفرة، وذلك على الرغم من أن سوق دبي المالي كان الأعلى صعوداً بين البورصات الرئيسية في العالم خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري، ولكن بارتفاع معقول بلغ نحو 6 % في 200 جلسة تداول.

فهل انتهت موضة الأسهم؟

على أرض الواقع هناك فئات عدة من المستثمرين هجروا - مؤقتاً- قاعات التداول إلى قطاعات أخرى يعتبرونها جالبة لـ «راحة البال» لأنها أكثر استقراراً وأقل مخاطرة، ويحدث ذلك رغم أن أغلب الأسهم، مازال، رغم الارتفاعات الهادئة أخيراً، رخيصاً بالفعل، وأرخص كثيراً مما كان عليه في أوقات الطفرة، ونسبة معتبرة من الأسهم متداولة بأقل من قيمها الإسمية، ومكررات ربحيتها متدنية مقارنة بمثيلاتها الخليجية والعربية العاملة في القطاع نفسه، وهناك تحسن ملموس في أغلب نتائج الأعمال، ونمو جيد في الربحية، كما أن أغلب الشركات التي كانت مهددة بالإفلاس أو توقف النشاط تمكنت من إنجاز خطط جيدة لإعادة هيكلة الديون، وتسير الآن بقوة على درب التعافي، وهذا بالإضافة إلى استمرار تدفق الاستثمار الأجنبي على الأسواق، كما تكشف التقارير الرسمية.

أين الخلل إذن؟

حتى الآن لم تتمكن الأسواق من تجديد دمائها باجتذاب «بضاعة» جديدة، وما زالت الخيارات فيها محدودة أمام المستثمرين، والاكتتابات التي جرى طرحها عقب سنوات الأزمة لم تكن كافية لتنشيط التداولات بشكل يحقق التطلعات والتوقعات، وما زالت الشركات العائلية - عصب الاقتصاد الوطني- محجمة عن طرح أسهمها، رغم تعديل القانون بشكل يسمح لملاكها الأصليين بالاحتفاظ بحصة أغلبية، وحتى السوق الثانية التي عول كثيرون على قدرتها على جذب الكثير من الشركات للإدراج فيها لم تحقق المأمول.

إن الأمر يحتاج إلى تفكير غير تقليدي وخارج الصندوق لتجديد دماء الأسواق، ولا مانع من عقد جلسات مصارحة بين الأطراف المعنية للوقوف على أسباب امتناع شركات كبرى عن الإدراج أو طرح اكتتابات عامة للحصول على تمويل لتوسعاتها بلا تكلفة بدلاً من اللجوء إلى الاستدانة.

وربما تحمل لنا الأيام المقبلة أنباء سارة في هذا الصدد.

Email