البرج.. المكان والزمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتخطى برج الخور، المتوقع أن يكون أعلى بناء في العالم عند إنجازه مطلع 2020، كونه مشروعاً عقارياً ضخماً، ليحمل دلالات زمانية ومكانية متعددة.

فمن الخور انطلقت نهضة دبي الحديثة قبل نحو 60 عاماً، إذ كان هذا الشريان المائي قلب الإمارة النابض، الذي أهلها لتكون المركز التجاري الأهم في الساحل المتصالح، حيث ترسو فيه السفن لتفريغ حمولتها، وكانت القوارب الصغيرة تنقل البضائع إلى ضفتي الخور، ومباشرة إلى مخازن ومستودعات التجار.

وفي مطلع خمسينيات القرن الماضي، وبرؤية مستقبلية ثاقبة جرى اعتماد مشروع لتطوير الخور بتكلفة 600 ألف جنيه استرليني، وهو مبلغ كان يفوق طاقة حكومة دبي في ذلك الوقت، لأنه يساوي الناتج الإجمالي للإمارة لسنوات عدة حينها، ومن هنا ظهرت فكرة «سندات الخور»، لتمويل المشروع، ولم يكن هذا الأسلوب التمويلي للمشاريع العملاقة مألوفاً بالمنطقة في هذه الأيام، ولكن هذه السندات كانت كفيلة بتغيير خريطة التجارة الدولية، بعدما ضمنت لدبي مكانة بارزة تزداد يوماً بعد يوم.

ورغم التطورات والإنجازات المتلاحقة خلال السنوات التالية في أنحاء الإمارة كافة، إلا أن الخور يظل رمزاً لقصة نجاح دبي ونهضتها الحديثة، ومن هنا تأتي أهمية اختيار موقع البرج الجديد الذي سيكون حلقة وصل بين الماضي والمستقبل، وبرهاناً على تواصل المنجزات، واستدامتها.

ويحمل توقيت تدشين الأعمال الإنشائية لهذا المشروع العملاق الذي سيضيف إلى العالم معلماً حضارياً جديداً، في طياته رداً بليغاً على دعاوى التباطؤ الاقتصادي المحتمل، ويؤكد أن مشاريع دبي العملاقة ليست وقتية، ولا وليدة الصُدفة، ولكنها مبنية على دراسات معمقة وطويلة الأجل، تستهدف المستقبل، ولا تؤثر فيها الظروف العابرة.

ومن شأن هذا المشروع العملاق، الذي دُشنت أعماله الإنشائية الأسبوع الماضي، أن يُعطي دفعة قوية للقطاع العقاري الذي تتسارع مشروعاته حالياً للحاق بركب «إكسبو 2020 دبي» عبر إنجازها في وقت مناسب قبل انطلاق الحدث العالمي الأبرز، إذ إن المشروع يتخطى تشييد أعلى بناء في العالم إلى تطوير المنطقة المحيطة بالكامل لتكون وجهة جذب سكانية وسياحية وتجارية، وهو ما من شأنه خلق آلاف الوظائف الجديدة وزيادة الطلب على الوحدات السكنية.

إن برج الخور يرد بقوة على المتشائمين الذي يتشبثون بتقارير التباطؤ، متناسين أن دبي تمكنت في عز سنوات الأزمة المالية العالمية من إنجاز أيقونتها الشامخة «برج خليفة»، والأرجح أن التاريخ لن يعيد نفسه بالنسبة إلى حدوث الأزمة، ولكنه سيعيد نفسه بالنسبة لإنجاز المشروع العملاق، كما أعادها مراراً وتكراراً في كل إنجازات «دانة الدنيا» منذ انطلاق نهضتها الحديثة قبل أكثر من نصف قرن.

Email