العدالة المطلوبة في «حظر الانتشار النووي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاد مجلس الأمن الدولي مجدداً ليطالب بسن معاهدة لحظر تجارب الأسلحة النووية، داعياً ثماني دول على وجه التحديد ذات قدرات نووية عالية، للانضمام إلى المعاهدة، دون مزيد من التأخير، إلا أن بعض الأطراف وصفت القرار بأنه عوار قانوني وفني صارخ، وخارج اختصاص المجلس، على أساس أنه يبدد كل الفرص للتأكيد على الحاجة الملحة لتعزيز نزع السلاح النووي، طبقاً للمادة السادسة من معاهدة عدم الانتشار النووي، وكذلك اعتبرت أن القرار غير منصف وغير مقبول، انطلاقاً من أنه يضع الدول التي تمتلك أسلحة نووية، مع تلك التي لا تمتلك، على قدم المساواة.

وبرغم ذلك، فلا غضاضة في مجاراة الأطراف الدولية الكبرى في هذا الطرح والتوجه، وأغلب الظن أن له علاقة وثيقة بالتطورات النووية الأخيرة التي انطلقت من كوريا الشمالية، دون التضحية بالمطالبة بلجم القدرات النووية النظامية المرتبطة بالدول صاحبة الترسانات العملاقة، وواقع الأمر، أن تلك القدرات بمفهومها الشامل، لم يعرفها العالم بعد، ولم يدرك من جحيمها سوى الدمار الذي لحق مدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان عام 1945، مع نهايات الحرب العالمية الثانية، عندما قررت الولايات المتحدة استخدام القنابل النووية في ثأرها من اليابان، وكانت تلك المرة الأولى، والأخيرة حتى الآن، التي تستخدم فيها دولة من الدول هذا السلاح الفتاك.

أغلب الظن، ووفقاً لرؤية الكثير من المحللين، أن السلاح النووي في الترسانات النظامية لدى الدول الكبرى، سوف يقتصر دوره على كونه سلاح ردع، نظراً لاستحالة استخدامه في حروب نظامية، لأن ذلك يعني في نهاية المطاف، فناء البشرية، ما جعل الدول الكبرى والمنظمات الدولية، وعلى رأسها بالقطع الأمم المتحدة والهيئات المختصة التابعة لها، تهرع في كل مناسبة إلى تدعيم معاهدات الحد من الانتشار النووي، ووضع كل الضوابط والقيود والعقوبات الممكنة، لضمان عدم الخروج على هذه الاتفاقيات والمعاهدات.

إضافة إلى المعاهدات الثنائية والجماعية بين القوى الكبرى لنزع الأسلحة النووية، والنزول بها إلى أقل معدل ومستوى ممكن، ومن ثم، فإن الحديث عن صعوبة استخدام الأسلحة النووية حالياً ومستقبلاً، هو الأقرب إلى الصحة، خاصة أنها تخضع لدول ونظم تحكمها قواعد وضوابط صارمة، ولكنها تظل مصدراً مهماً جداً لها لتحقيق مفهوم الردع من ناحية، ولمنحها المزيد من النفوذ على الساحة الدولية.

مع استقرار هذه الحقائق في العقود الأخيرة، وخاصة منذ بروز سياسات الوفاق والانفراج الدولي ونزع السلاح النووي في سنوات الستينيات والسبعينيات، وزوال المعسكر الشرقي، تراجع بشدة، وربما إلى حد العدم، مفهوم الحرب النووية الشاملة، ولكن ظهرت نظريات استراتيجية جديدة، مثل الحروب الإشعاعية النظيفة، والحروب النووية التكتيكية أو الإقليمية المحدودة، التي تحقق الهدف منها، بعيداً عن مظاهر الدمار الشامل، والمؤسف أن الدول الكبرى، والولايات المتحدة وحدها على وجه الخصوص، احتكرت لنفسها هذا الحق.

ربما كانت قذائف وأسلحة «اليورانيوم المنضب»، التي استخدمتها القوات الأميركية في غزوها العراق عام 2003، أبرز وقائع هذا التطور، بما نجم عنها من حالات تشوه وإصابات بشرية جسيمة بالسرطان بأنواعه المتعددة، وتحولت بالتالي المفاهيم الجديدة إلى مخاوف طارئة لدى الأجهزة المخابراتية والمؤسسات الحاكمة في القوى الكبرى، من إمكانية نجاح الجماعات الإرهابية في تطبيق النظريات الجديدة، فصاغتها تحت مظلة ما اصطلح على تسميته «الحروب القذرة»، وآلياتها الأساسية «القنبلة النووية أو الإشعاعية القذرة»، التي قد تتمكن الجماعات الإرهابية من صنعها بأدوات ومواد أكثر يسراً من تعقيدات صناعة الأسلحة النووية التقليدية.

لكن حقيقة الأمر أن ذلك يستلزم الكيل بمكيال واحد، وعدم ازدواج المعايير في التعامل مع مثل هذه القضية الخطيرة، ولا يجب أن تنفرد بها دولة واحدة، على غرار ما تفعل الولايات المتحدة، فعندما ترى الخطورة كامنة في «دول مارقة»، مثل كوريا الشمالية أو إيران، على سبيل المثال، فيجب ألا تستثني إسرائيل من ذلك الخطر، وعليها أن تدرك جيداً أن هناك شركاء دوليين لها في هذا الزورق، ويجب عدم استبعادهم من رسم خريطة الأمن والأمان لمواجهة المخاطر الكامنة والمحتملة.

بل إنها يجب أن تكون النموذج الذي يحتذى في المبادرة، لتخليص العالم من هذا الكابوس، بدلاً من تطبيق معايير مزدوجة، من شأنها تهديد الفرص الحقيقية لبناء منظومة الأمن النووي، والدافع للتأكيد على ذلك أنه، وحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن مبادرة الولايات المتحدة لعام 1978، لوضع برنامج لتقليص استخدام اليورانيوم المستخدم في صناعة القنابل الذرية داخل مفاعلات الأبحاث النووية، قد فشلت، لأن واشنطن وموسكو ولندن، ما زالت تستخدم أطنان اليورانيوم لصناعة القنابل الذرية، أو أربعة أضعاف كمية اليورانيوم المستخدمة في كل المفاعلات النووية عبر العالم، وهي كمية ضخمة، وقد تكون عُرضة للسرقة أو السطو من قبل الإرهابيين أثناء عملية نقلها أو تخزينها!

Email