الموساد والإسرائيليون.. الصادقون دوماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

استلم هاتفي النقال قبل أيام تقريراً إخبارياً بثته قناة «العالم» الإيرانية نقلاً عن قناة «نيوز 24» الإسرائيلية عن ما أسمته «السياحة العربية في تل أبيب». يتحدث التقرير عن إقبال سياح من دول عربية وإسلامية على زيارة إسرائيل. وزعم تقرير القناة الإسرائيلية الذي أعادت بثه القناة الإيرانية أن عدد السياح العرب هؤلاء الذين قال إنهم فضلوا تل أبيب على لندن وصل إلى 250 ألف سائح.

شاهدت التقرير المصور إلى آخره وهو عبارة عن لقطات عامة لشوارع ولقطات من مطارات يظهر فيها مسافرون يمكن أن تشاهدهم في أي مكان في العالم، بعض اللقطات تظهر شوارع في مدن من فلسطين المحتلة 1948 (إسرائيل) يظهر فيها بعض المارة والسيارات وجنود إسرائيليون بزيهم العسكري الزيتوني ولقطة أخرى تظهر لافتة من مطار «بن غوريون» مكتوبة بالإنجليزية والعبرية ولقطة أخرى ملتقطة من أعلى في مطار آخر تظهر سيدتين تسيران معاً. كنت انتظر أن أرى أو أن يقدم التقرير دليلاً واحداً على مزاعمه فلم أجد سوى ما تقرأه المذيعة من كلام لا تقدم معه أي أدلة.

الآن علينا أن نصدق ما ورد في تقرير القناة الإسرائيلية الذي أعادت بثه قناة العالم الإيرانية أن 250 ألف سائح عربي (مزعوم) زاروا تل أبيب هذا الصيف ولم تلحظهم سوى قناة 24 الإسرائيلية دون أن تكلف نفسها عناء تقديم دليل واحد: لا تصريح، لا صورة لهؤلاء السياح.. لا شيء أبداً. لم تطرح القناة الإيرانية أيضاً الأسئلة المهنية المتعلقة بالتدقيق في التقرير، فمن الواضح أنها تبنته دون تدقيق مهني، فما تقوله وسائل إعلام «الكيان الصهيوني» هو الصدق بعينه بالنسبة لقناة «العالم» ولسائر من لديه خصومة مع دول عربية.

قبل هذا التقرير بأيام خرجت القناة الأولى الإسرائيلية بمزاعم جديدة لتلطيخ سمعة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) تقول إنه كان عميلاً للمخابرات السوفييتية (كي جي بي) في سوريا. وبنت القناة الإسرائيلية مزاعمها على وثائق «ميتروخين» نسبة إلى فاسيلي ميتروخين وهو موظف أرشيف سابق انشق عن المخابرات السوفييتية عام 1992 ولجأ إلى بريطانيا وتم رفع السرية عن بعض الوثائق التي هربها معه. لم يرد اسم أبومازن في الوثيقة بل اسم رمزي هو «كروتوف» زعم التقرير أنه أبومازن.

قصة مضحكة أخرى يتم فيها استغلال الذهنية العربية الميالة لتقبل الدعاية عوضاً عن الحقائق، الذهنية الانفعالية التي تبني قناعاتها على العواطف والانفعالات لا على الحقائق والجدل العقلي.

هل كان الاتحاد السوفييتي مصدر السلاح الأول والوحيد لسوريا منذ الخمسينيات والذي تربطه بسوريا معاهدات وتحالف استراتيجي وتعاون أمني وعسكري وله آلاف الخبراء العسكريين والمدنيين في سوريا يحتاج إلى مسؤول في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التي طرد رئيسها الراحل ياسر عرفات من دمشق عام 1983 لكي يتجسس لحسابه في سوريا الحليفة؟ الحبكة في الإشاعة ليست سوريا بل روسيا، وتلطيخ السمعة هنا مدروس بعناية لأنه يربط شخصيتين مكروهتين لإسرائيل والغرب: أبومازن وفلاديمير بوتين.

لكنني وجدت شيئاً من الطرافة في القصة. فالاسم الرمزي الذي أشير إليه في الوثيقة وهو «كروتوف» أي خلد الماء، جدير بأن يذكر البريطانيين (الذين نظروا من جديد بعين العطف لما تعانيه إسرائيل من مقاطعة دولية متنامية فقاموا بتجريم مقاطعة البضائع الإسرائيلية على أسس أخلاقية) بكابوس أرقهم لعقود هو كابوس اختراق المخابرات السوفييتية للمخابرات البريطانية منذ الثلاثينيات وحتى السعبينيات من القرن الماضي. فكروتوف هم اسم واحد من الذين أداروا «شبكة الخمسة» الشهيرة التي كانت تتجسس للاتحاد السوفييتي من قلب جهاز الاستخبارات البريطانية.

الشبكة التي ضمت دونالد ماكلين، غي بيرغس، انتوني بلانت وكيم فيلبي إضافة إلى جون كيرنكروس حسب ما ورد في كتاب ضابط الاستخبارات البريطانية السابق بيتر رايت المعنون «صائد الجواسيس» المكرس أساساً لكشف الاختراق السوفييتي للمخابرات البريطانية.

ما يدفع إسرائيل لإطلاق هذه الحرب الدعائية التي لم تتوقف هو أنها تعيش تحت وطأة هواجس وجودية جراء تنامي حركة المقاطعة الدولية لها بفضل حركة النضال الدؤوب لحركة المقاطعة الفلسطينية (بي دي إس) والعزلة السياسية الدولية المتنامية. أما العرب ومثقفوهم ونخبهم فهم ما زالوا مخلصين لتقاليد وقواعد الهزيمة النفسية عندما يتقبلون وبتسليم كامل كل ما تقوله وسائل الإعلام الإسرائيلية باعتباره الصدق بعينه.

Email