الخاسرون في سباق العولمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مزقت الفوضى كل من أحزاب المؤسسة اليمينية واليسارية، على امتداد الغرب، هذا ما لم تدمرها من الداخل، فداخل مثل تلك الأحزاب، يعثر الخاسرون بسبب العولمة على أبطال يناهضون العولمة لتحدي المعتقدات التقليدية الرسمية السائدة. وبالتالي فإن الاختلاف التقليدي بين يمين الوسط ويسار الوسط في انهيار.

تجري السيطرة على الأحزاب التقليدية للمؤسسة من خلال قوات تستفيد، بشكل مجمل، من العولمة؛ كالمصالح التجارية، والنخب الحضارية والعالمية، والحرفيين، والعمال من ذوي الياقات البيضاء والزرقاء، الذين تحميهم النقابات.

تضم كل من أحزاب اليمين واليسار أقليات كبيرة من العمال، ممن كانوا خاسرين في سباق العولمة، ولكنهم يصوتون لصالح أحزاب المؤسسة لأنهم كانوا اكثر محافظة من الناحية الاجتماعية والدينية (مصوتين أيديولوجيين في اليمين)، أو لأن أحزاب يسار الوسط كانت تدعم النقابات، وحقوق العمال.

عقب الأزمة المالية الكبيرة عام 2008، عند تواصل ركود الأجور في مواجهة نسب الديون المرتفعة، بدأ الخاسرون من العولمة، في كل من اليسار واليمين، بالانتظام وإعادة تمثيل أنفسهم من خلال الأبطال مناهضين للمؤسسة، كبيرني ساندرز ودونالد ترامب.

بينما وجد الخاسرون في اليسار، في كل من أميركا وبريطانيا، حيث يوجد نظامان حزبيان، بصورة تقليدية، وجدوا أبطالهم في حزب العمال (ممثلاً بجيرمي كوربن) وفي الأحزاب الديمقراطية (بيرني ساندرز). أما في أوروبا القارية، حيث تسود النظم البرلمانية التعددية الحزبية، ظهرت الأحزاب المناهضة للمؤسسة الشعبوية، كحزب «سيريزا» في اليونان، أو حزب «بوديموس» في إسبانيا.

بيد أن خطوط الصدع العرقية ظهرت بين أحزاب يمين الوسط. فتلك الأحزاب، كالجمهوريين في أميركا، وحزب المحافظين البريطاني، وأحزاب يمين الوسط الأخرى في أوروبا القارية، قد جرى السيطرة عليها، تقليديا، من قبل المجموعات التجارية الصغيرة والكبيرة، المؤيدة لاقتصاد السوق، ومن خلال المصالح المالية، بالتوازي مع المحافظين التقليديين، اجتماعياً ودينياً.

وفي الوقت ذاته، تضمنت أحزاب يمين الوسط تلك أقليات كبيرة ومتزايدة لناخبين يعانون اقتصادياً، وعمال غير مهرة من ذوي الياقات الزرقاء والبيضاء، الذين تم تهديد دخلهم ووظائفهم عبر التجارة والعولمة .

تظهر المفارقة في بريطانيا بأن حملة «الخروج من الاتحاد الأوروبي» تتضمن في الأساس على مجموعات ومصالح اقتصادية مختلفة للغاية.

ومن هنا، نستعرض عدة طرق عملت من خلالها العولمة على إعادة تنظيم السياسة في أوروبا.

أولاً، هناك تقشف وإعياء في عملية الإصلاح في المحيط الخارجي لمنطقة اليورو، وإرهاق بالغ في ألمانيا وقلب أوروبا. إذ يريد المحيط الخارجي المزيد من المشاركة في تحمل المخاطر، إضافة إلى نقابة مالية، بينما تبدي ألمانيا والوسط قلقاً من أن يصبح تقاسم المخاطر تحولا للمخاطر، حيث إن النقابة المالية ستصبح اتحاداً للتحويل، بحيث يدعم فيه الوسط البقية.

ثانيا، أصبحت ألمانيا تفضل المزيد من الهجرة، وذلك مع انخفاض البطالة وندرة العمالة، لدرجة تفضيل الهجرات من خارج الاتحاد الأوروبي، بينما الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي يعد أمراً غير مألوف للغاية في بقية أرجاء أوروبا.

ثالثا، تسعى الأحزاب الموجودة في محيط الاتحاد الأوروبي لأن تكون في اليسار، مثل سيريزا في اليونان، وحركة النجوم الخمسة في إيطاليا، وبيدوموس في إسبانيا، فضلاً عن الأحزاب اليسارية في البرتغال.

رابعاً، هناك أشخاص في أوروبا يعتقدون بأن الطريقة الوحيدة التي تمكن للاتحاد الأوروبي من أن يظل قائماً ومنتعشاً تتمثل بالتوجه التدريجي ولكن الثابت نحو تكامل أكبر. ويتطلعون لأن يؤدي ذلك الأمر في النهاية لتشكيل أوروبا فيدرالية أو ولايات متحدة في أوروبا.

يوجد على امتداد الغرب انحياز سياسي جديد يمحو النماذج القديمة لليمين واليسار، في كل من العمل ضد رأس المال، والعمال مقابل المشاريع، والضرائب والتنظيم مقابل التجارة الحرة. وبدلا من ذلك سيتم تنظيم النموذج الجديد حول قوات المؤيدة والمناهضة للتكامل العالمي.

* محلل اقتصادي

Email