قبل تفجير موجة جديدة من «الإسلاموفوبيا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الواضح الآن أن الدول الأوروبية انتصرت للخيار الأمني في محاولة من جانبها لكبح جماح الهجمات الإرهابية التي وقعت على أراضيها في الأسابيع القليلة الماضية، فضلا عن تزايد المساحة التي تحتلها الأصوات اليمينية المتطرفة لاتخاذ إجراءات أكثر تشدداً في مواجهة اللاجئين والمهاجرين وفرض مزيد من الإجراءات الأمنية خاصة إزاء أولئك القادمين من الشرق الأوسط.

وليس أدل على ذلك من إعلان وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف قبل أيام أن بلاده قررت إغلاق نحو عشرين مسجداً وطرد حوالي ثمانين إماماً بسبب انتهاجهم «خطاباً دينياً متطرفاً ومعادياً لقيم الجمهورية»مؤكدا أن بلاده ستبدأ برنامجاً لتدريب الأئمة، وكذلك الاستمرار في سياسة استبعاد الأئمة وإغلاق المساجد بتهمة «التحريض على التطرف» معتبرا أنه «لا مكان في فرنسا للمساجد الداعية إلى الكراهية» بحسب وصفه.

وفي سياق متصل من الواضح أن المانيا قد حسمت أمرها فيما يتعلق بإعلاء شأن الخيار الأمني بعدما تزايدت بالفعل الأعمال الإرهابية المنبوذة على أراضيها بوتيرة متسارعة، واتضح ذلك من خلال ما أعلنت عنه السلطات الألمانية مؤخراً باتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية المشددة لمواجهة التحديات الأخيرة..

بينما كشفت صحيفة بيلد الألمانية نقلا عن مصادر رسمية أن حكومة المستشارة ميركل تتجه إلى تنفيذ خطة أمنية تعتمد النموذج الأميركي في تشكيل قوات احتياط لمساندة الشرطة في مواجهة خطر الإرهاب الذي بات يشكله «إسلاميون» دخلوا البلاد كلاجئين.

وأوضحت الصحيفة وجود توجهات لتشكيل قوات من متطوعين سبق أن تلقوا تدريباً حربياً أو أمنياً في صفوف الشرطة، مشيرة إلى أن النموذج الألماني سيختلف عن النموذج الأمريكي في حصر الاستعانة بقوات الاحتياط في الداخل فقط، في حين كشفت مصادر أخرى أن الحكومة تفكر أيضاً في تعديل الدستور للـسماح بمـساندة هذه القوات عناصر الشرطة عند الضرورة، على أن تخضع لأوامر الشرطة.

وارتبط بذلك حديثاً تصعيدياً أكثر تطرفاً في عديد من الدول الأوروبية وكأنها موجة جديدة أشد خطورة من «الإسلاموفوبيا» أبرز دلائلها وأهمها اغتيال إمام مسجد نيويورك في عمل إرهابي صريح، ذهب بعض المحللين إلي تحميل مسؤوليته لخطاب الكراهية والتحريض ضد المسلمين الذي يتبناه منذ ظهوره على الساحة المرشح الجمهوري الأميركي دونالد ترامب، في حين ظهرت في المانيا على سبيل المثال لا الحصر دعوات جديدة تطالب بطرد اللاجئين أو تحديد اقامتهم في جزر منعزلة!

من حيث المبدأ لا يستطيع كائن من كان أن يلوم دولة أو حكومة أو حتى شعب على اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المجتمع في مواجهة أخطار جسيمة.

ولاشك في أن الإجراءات الأمنية لها أهميتها في هذا المقام، لأنه في مواجهة إرهابيين ومن يحملون السلاح ويزهقون أرواح الأبرياء بالحرق والدهس والقتل لا مجال للحديث عن تفاوض أو تسامح أو أي شكل من أشكال التهاون، بغض النظر عن خلفيات ودوافع هذه الأعمال أو رفض وإدانة سياسات الدول المستهدفة من المنظورين التاريخي والحالي.

ربما كانت هناك تحفظات يمكن الخوض فيها وسبق تناولها في أكثر من موضع وعلى مستويات عدة وحتى على الساحة الأوروبية ذاتها عند تناول وتحليل مثل هذه القضية المهمة شديدة التعقيد والتشابك، وتنتهي جميعها عند حقيقة واضحة ترى أن الخيار الأمني وحده لا يحقق الكثير من الإنجازات عند التعامل مع هذه الأزمة، قد تكون له نتائج إيجابية سريعة وملموسة على المدى القصير.

ولكن مع الوقت يثبت أن هناك سياسات ومقاربات أخرى مطلوبة لمعالجة الموقف بالشكل السليم أو حتى لاقتلاع الظاهرة من جذورها.

والمؤسف أن الدول الغربية ورغم اكتوائها بنيران الإرهاب في محطات عديدة ورغم المقاربات السياسية والثقافية والإنسانية العديدة التي طرحت عليها لمواجهة الظاهرة من جذورها إلا أنها مازالت تصم آذانها عن الوصفات الشافية وتتمسك بالنهج الخاطئ القائم على المعالجات الأمنية فقط.

وليس خافياً أنه بالتوازي مع ذلك هناك بالقطع سلسلة من الإجراءات العملية المطلوب تنفيذها على أرض الواقع الميداني للخلاص من البيئة التي تفرز مثل هذه الجماعات وتساعد على نمو الفكر المتطرف الذي سرعان ما يتحول إلى قنابل موقوتة تنفجر لتحصد أرواح الأبرياء.

وذلك هو الشق الأهم من إجراءات المقاربة موضع الحديث وهي سلة متكاملة من البرامج والسياسات المتداخلة ما بين السياسة والاقتصاد والتنمية الثقافية والاجتماعية علاوة على تبني مفاهيم إنسانية أساسية على رأسها العدالة والمساواة، وهي برامج يجب أن تكون عابرة للحدود بين الدول المستهدفة وتلك الأخرى المتهمة بـ «تصديره» وبينهما تداخل كبير.

وفي هذا السياق أيضا لا يمكن إغفال الحديث عن التعامل الأميركي – الغربي مع القضايا والأزمات الشرق أوسطية كالأزمات السورية والعراقية والليبية وبالقطع الفلسطينية والتي لعبت القوى الغربية دوراً كبيراً في تأجيجها وإثارتها من الأساس ضد رغبة شعوب المنطقة.

 

Email