من أول السطر

جدوى «سولار إمبلس 2»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما الذي يدفع الإمارات، الدولة النفطية صاحبة سابع أكبر احتياطي في العالم، إلى تبني ودعم مشاريع الطاقة البديلة التي يخصم كل تقدم فيها من الأهمية الاستراتيجية العالمية للنفط؟

لماذا ساندت الإمارات ممثلة في شركة «مصدر» الطائرة الشمسية «سولار إمبلس 2» التي نجحت في الدوران حول العالم، بلا قطرة وقود واحدة، متخذة من أبوظبي نقطة انطلاق وعودة؟

ألا يعني نجاح هذه الرحلة «التاريخية الملحمية»، كما وصفتها صحف عالمية كبرى، تغييراً جذرياً وأبدياً في صناعة الطيران؟ ألا يماثل نجاح «سولار إمبلس 2» إنجازات رواد الطيران منذ زمن عباس بن فرناس في القرن التاسع الميلادي مروراً بليوناردو دافينشي في القرن الخامس عشر، وصولاً إلى الأخوين رايت في القرن التاسع عشر؟

إن يوم 26 يوليو 2016 سيسجل في التاريخ كعلامة مضيئة تغيرت فيها صناعة الطيران إلى الأبد، بوصول أول طائرة شمسية إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي بعدما قطعت أكثر من 42 ألف كلم بطاقة مستمدة من 17 ألف لوح شمسي تغذي 4 محركات.

واللافت أن الإمارات التي تمتلك نحو 97.8 مليار برميل احتياطي مؤكد من الخام، تسارع أكثر من غيرها من الدول النفطية الكبرى إلى تبني مشاريع الطاقة المتجددة، وتستثمر من أجل ذلك المليارات، وهو ما دفع البنك الدولي إلى القول في تقرير حديث إن الإمارات تستثمر الفوائض النفطية في دعم الاقتصاد غير النفطي القائم على الابتكار.

نظرياً، تخبر الأرقام بأن النفط عاجلاً أم آجلاً سينضب. المتفائلون يرجحون أن تدق ساعة الصفر بعد 100 عام، والأقل تفاؤلاً والأكثر تحفظاً يقربون الموعد إلى سبعينات القرن الحالي.

والمعادلة بسيطة، فالبشر استخرجوا من باطن الأرض منذ اكتشاف البترول قبل أكثر من ١٢٥ عاماً حتى الآن ـ نحو تريليون برميل وهناك تريليون آخر كاحتياطي مؤكد، وثالث سيجري اكتشافه في أقصى تقدير خلال السنوات المقبلة. والراصد للتوجهات الرسمية في الإمارات يتبين له كيف أن مرحلة ما بعد نضوب النفط تشغل من الآن حيزاً كبيراً من تفكير أصحاب القرار، بل أن خلوة حكومية على أعلى مستوى انعقدت منذ أشهر لهذا الغرض، وها هي نتائجها تظهر تباعاً على أرض الواقع، وليست «سولار إمبلس 2» ببعيدة عنها.

الرؤية إذاً واضحة، فليس مهماً موعد نضوب النفط، فالحقيقية المؤكدة أنه سينضب عالمياً، وحتى ذلك الحين ستتراجع أهميته الاستراتيجية ووزنه النسبي -كمصدر للطاقة- شيئاً فشيئاً في المستقبل القريب، مع ظهور بدائل أقل كلفة وأوطد صداقة مع البيئة.

بل المهم هو الإعداد ليوم النضوب المتوقع، عبر بدائل تبقي الإمارات في الصدارة، باستراتيجيات طموحة تركز على الاستثمار في البشر باعتبارهم الثروة الحقيقية التي لا تنضب.

ولا يمكن تحليل أسباب تبني الإمارات للطائرة الشمسية، بعيداً عن استراتيجيات التحول إلى اقتصاد ما بعد النفط التي تطبق على أرض الواقع حالياً، خصوصاً في مجال الطيران، فالدولة، وتحديداً مدينة العين تتحول إلى مركز إقليمي لصناعة الطائرات، بعد فوز شركة «ستراتا» المتخصصة في تصنيع أجزاء هياكل الطائرات من المواد المركبة، قبل أسبوعين، بثلاثة عقود قيمتها 13 مليار درهم من أكبر شركتي تصنيع طائرات في العالم «إيرباص» و«بوينغ».

وليس بعيداً عن ذلك أيضاً، أن الإمارات تمتلك اثنتين من أكبر الناقلات الجوية في العالم، وأكثرها انتشاراً ونقلاً للركاب والبضائع، «طيران الإمارات» و«الاتحاد للطيران». والناقلتان أيضاً بين الأكثر طلباً للطائرات الجديدة في العالم، وهنا تكتمل الدائرة، الآن ومستقبلاً.

إن تشجيع الإمارات لمشاريع الطاقة المتجددة خصوصاً في مجال الطيران نابع من رؤية واضحة تخاطب المستقبل، وليس أدل على ذلك من تحول برميل النفط في مكان انعقاد الخلوة الحكومية إلى قطعة ديكور بكل ما يحمله ذلك من دلالات.

ولن يكون مستغرباً أن تنطلق أول طائرة تجارية تعمل بالطاقة الشمسية من الإمارات، بل لن يكون مستغرباً أن تصنع بالكامل بعقول وإيد إماراتية، وحينها ربما يجد المشككون في أهمية وجدوى دعم «سولار إمبلس 2» الشجاعة للاعتراف بخطئهم.

Email