الابتكار في العمل الحكومي مساق يدرس

ت + ت - الحجم الطبيعي

«إن المستقبل سيكون لأصحاب الأفكار» بهذه الكلمات وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الملامح الأساسية لمستقبل الشعوب التي تود أن يكون لها مكان ومكانة في عالم لن يفتح أبوابه إلا بكلمة سر وهي الابتكار، فضلاً عن بصمة فكرية غير مسبوقة ليدخل عالماً من المنافسة لن يكون فيه لأصحاب الأفكار التقليدية مكان.

ذلك أن العالم الذي نحياه أصبح له قواعده الخاصة التي تتطلب منا أن نساهم فيها ونوجهها لتحقيق أهدافنا وإلا كنا خارج العصر، ومن يقنع بما حققه من نجاحات فإن فجوة المعرفة والفكر وسبر غور العصر وحقيقة معرفته ستتسع لا محالة بين الشعوب في ظل حالة من الغزارة الفكرية والتسارع التكنولوجي لا يمكن السيطرة عليها.

من هنا كان الدخول إلى حلبة المنافسة، لا أقول ضرورة لكنه خياراً حتمياً لا بديل سواه، غير أنه من الأهمية بمكان أن نعرف قواعد المنافسة وإلا فسوف تكون الحركة في المكان ذاته كما الحجل، من هنا كانت أهمية ما حدده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من أن الفكر الابتكاري هو رأس الحربة وهو مفتاح العصر الذي يسمح لك أن تلجه من أوسع الأبواب.

ولأن الابتكار يلزمه أصحاب همم عالية لا يرتضون ولا يقنعون بما قد يلبي طموح غيرهم، لكنهم يملكون القدرة على أن يروا في المشهد المتاح تفاصيل وفرصاً للنجاح قد لا يراها غيرهم، كما أنه ينطلقون بفكرهم خارج المألوف وبعيداً عن الأطر المحددة، وحتى يشيع ذلك ويصبح ثقافة عامة وسلوكاً يومياً يمارسه الفرد في شؤونه الخاصة .

وفي تعاملاته، ويمارسه العاملون في المؤسسات الحكومية ومن يلتحق بركبهم كان لابد من تأطيره ووضع آليات تحافظ على ديمومته في شكل مؤسسي يخرج به عن الإلهامات الفردية رغم أهميتها فضلاً عن خلق أجيال تتبناه وتمارسه باعتباره نشاطاً مألوفاً.

من هنا كانت إتاحة مساق الابتكار في العمل الحكومي، والمقدم من قِبل مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي، والذي يوفّر منهجيات عالمية وأدواتٍ عملية لتمكين ولترسيخ ثقافة الابتكار في القطاع الحكومي، وتعزيز آليات تحليل وسن سياسات عامة مبتكرة تلائم تحديات القرن الواحد والعشرين التي تواجه الحكومات..

كما يعرض منهجية الابتكار في العمل الحكومي التي تم اعتمادها في دولة الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن دراسات حالة من حكومات رائدة حول العالم من بينها سنغافورة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا والإمارات العربية المتحدة.

ذلك إن القدرة على الابتكار، رغم ما تحتاج إليه من استعداد ومؤهلات خاصة غير أنه وفقاً للدراسات العلمية، هي في معظمها جهد يبذل في بيئة مواتية وإرادة سياسية دافعة له وراغبة في التأسيس له باعتباره أسلوب حياة، قيادة ترى أن ثروة الأمم في أبنائها وقدراتهم تأتي مما يقدمونه من فكر وإبداع وهو السبيل الأوحد إلى بناء الحضارات وصناعة الإنجازات..

وإذا كان العلم يأتي بالتعلم فلا شك أن الابتكار وثقافته تأتي هي كذلك بالمداومة عليه، والعكوف على معرفة أساليب وأدواتٍ مُبتكرة من شأنها إلهام المتعلمين بالأفكار الثاقبة وإيجاد الحلول للتحديات التي تواجهها الجهات الحكومية والدوائر الرسمية والخاصة، وهو ما حرص عليه المركز حين أتاح الالتحاق بدراسة هذا المساق للناس كافة من مختلف القطاعات والدول ذلك أن الإمارات كانت دوماً تحمل رسالة بناء وسلام في منطقتها والعالم من حولها.

إن الهدير التكنولوجي، الذي نعيشه بما أتاحه للفرد من إطلاع آني وسريع على ما يحيط به ووعيه بالعالم من حوله، يمثل حالة من الضغط على متخذ القرار في المؤسسات الحكومية، تتطلب منه الخروج برؤى جديدة قد تبعد عن الخيارات المتاحة للتعامل مع المستجدات، ووضع الخطط لاستيعاب الأحداث المتوقعة بعيداً عن سياسة رد الفعل أو إطفاء الحرائق.

وإذا كان المركز قد جعل للابتكار الحكومي مساقاً يدرس فإن هذه التجربة يجب يتم استنساخها في كل الميادين، ولا تقتصر على النشاط الحكومي أو المؤسسات الرسمية، وبخاصة في الجامعات والمراكز البحثية باعتبارها بيوتاً للخبرة قادرة على المساهمة بفاعلية لتخريج أجيال من المبتكرين في مختلف التخصصات، وآية ذلك أن جامعة عجمان قد أخذت خطوة مهمة في الاتجاه ذاته حين أنشأت هذا العام مركز جامعة عجمان للابتكار، يهدف إلى بناء أُسس ثابتة تدعم مناهج التفكير الابتكاري.

وتعزيز المقاربات الإبداعية التي تتبناها الدولة في سبيل تحسين مستوى ونمط حياة سكانها إلى أقصى مدى ممكن.

كما أن تلك الخطوة تأتي لترسيخ ثقافة الابتكار في بيئة العمل المؤسسي، ورفع مستويات الوعي لثقافة الابتكار للطلبة وتسويق مشاريعهم باعتبار الابتكار مفتاح التفوق، والمستقبل لن يكون لمن يملك المقدرات والثروات المادية فحسب بل لمن يملك قدرات وثروات فكرية مبدعة قادرة على الحفاظ على مقدراتها وتنميتها، باعتبار أن الفكرة ثروة لا تنفد بل هي مصدر الثروات.

 

Email