مَرْحَباً يا رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلمة مَرْحَباً أثيرة على النفس، لأنها كلمة تحقق معنى التواصل بين الكاتب وقارئه، مع كلمة مرحباً، يبتدئ التواصل الإنساني الذي يسمح بالتفاعل والعطاء بين الطرفين، الكاتب والقارئ.

ولا شك أن كلمة مرحباً كذلك، تشدُّك بشكل لا شعوري إلى علاقة الضيف بالمضيف، وما يحتويه قلبه وصدره وأفقه من اتساع للضيف.

ويلعب الكاتب دوراً مزدوجاً، فهو ضيف على الصحيفة التي يكتب فيها، وهو مضيف لقرائه الذين يتوقعون منه أن يقدم لهم زاداً فكرياً أو ثقافياً أو إبداعياً، ولا شك أن هذا الزاد الفكري له مذاقاته الخاصة به، إذ إنه يعبر عن رؤية صاحبه وثقافته، ومن هنا، تكمن قدرة الكاتب على مخاطبة جمهوره بأسلوب يتسم بلغة ديمقراطية، لا استعلاء فيها، وهي تقدم ما يتخيله الكاتب مفيداً وممتعاً لقارئه. من هنا، كانت مرحباً همزة وصل بين القارئ والكاتب وبين القارئ وصحيفته المفضلة.

ودرجت العادة على الترحيب بطقوسنا الدينية، ومن بينها كان الاحتفاء برمضان، ويأخذ الترحيب به شكلاً شعبياً، وفي بعض الدول العربية، تشكل فوانيسه لدى الأطفال –مظهراً احتفائياً، وبات اليوم يأخذ شكلاً جديداً بتزيين البيوت بقلائد من الأهلّة والنجوم والفوانيس، وكذلك عمرت مدننا بالخيم الرمضانية، لتنقل رمضان من مناخ التعبّد إلى جو يسيطر عليه شيء من الترفيه..

كان رمضان في الماضي أكثر بهجة للأطفال – وخصوصاً في المناطق الشعبية والفقيرة - كنا ننتظره أثناء طفولتنا بشغف حقيقي وسعادة، تحمل معها كل صنوف البراءة، التي بات أطفال اليوم يفتقدونها، منذ أن أصبح التلفزيون الشريك الأساسي في تربية أطفالنا. كان للأطفال مُتَعهم في الترحيب برمضان، وانتظار مدفع الإفطار، لأنه كان يوفر لهم فرصاً غير متاحة إلا فيه.

وينتهي رمضان الكريم، ونحن نودعه، لنرحب بعيد سعيد، لعل أجمل ما فيه، هو سيطرة المرحبا به. فهو عيد يصل الناس فيه أرحامهم، ويعودون مرضاهم، ويكرمون فقراءهم، ويسعدون أطفالهم بملابسهم الجديدة والعيدية التي ينتظرونها.

ولكن ما الذي يجرى الآن؟

التلفزيون، وما فيه من ترفيه، الكمبيوتر والإنترنت والألعاب الإلكترونية بأصنافها، والهواتف الجوالة والحواسيب اللوحية وإمكانات اللهو بها، كل تلك الوسائل تصنع مجالات تضج بالإمكانات التي تأخذ البشر بطرق مختلفة إلى عوالم لا حدود لها.

ولعل أكثر هذه الوسائل سيطرة في المجتمعات العربية، هي الفضائيات، التي باتت لكثرتها وتنوعها، تبحث عن المشاهد، بعد أن كان المشاهد العربي في القرن الماضي، هو الذي يبحث عن محطة تلفزيونية يشاهدها.

ولذا، ما تقدمه الفضائيات في رمضان، تُشكّل لعبة اتصالية نحتاج أن نفهمها.

ففي رمضان، تتسابق الفضائيات في عرض مسلسلات أُعدّت خصيصاً للعرض في الشهر الفضيل، وهل يمكننا أن نستعرض موضوعاتها، ونفهم ما هي المضامين التي تقدمها؟، وإلى أي مدى تتناسق هذه المضامين مع طبيعة شهر رمضان بروحانيته؟، إنها لعبة الفضائيات في التسابق على الاستحواذ على أكبر عدد منا، نحن المشاهدين، كي تبيعنا للمعلنين، الذين سيرعون البرامج، ورمضان بريء من هذه اللعبة، ونحن ننتظر رمضان، ونتمنى لو تعود أيام البراءة التي كان الأطفال فيها يستقبلون رمضان بأغانيهم الطفولية البريئة، وحيث كان الناس يتجمعون فيها حول الوالدين، أو يتجمعون حول الحكواتي، الذي يحكي قصص عنترة وأبو زيد الهلالي، وسيف بن ذي يزن، في جو اجتماعي حميم.

Email