في ذكرى الهزة الأرضية في نيبال

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلغ عمر ماميتا 9 سنوات، حينما وقع أسوأ زلزال في نيبال، قبل نحو قرن من الزمن. ليتم إجبارها على الخروج إلى الشوارع، شأن مئات آلاف الأطفال الآخرين.

ولأنها لم تكن قادرة على إيجاد مأوى آمن، والحصول على التعليم في قريتها المدمرة، جازفت مع عائلة شقيقتها البالغة من العمر ستة عشر عاماً، والمؤلفة من زوج شقيقتها وطفلهما حديث الولادة، بالذهاب إلى كاتماندو، ليجدوا هناك فرص عمل في مصنع للحجارة، ويعملوا في نظام نوبات من آخر الليل حتى الصباح الباكر.

تعتبر الطفلة ماميتا ضحية، لمرتين. أولاً، لأن زلزالاً سلبها منزلها ومدرستها وعائلتها وأصدقاءها. وبعدها، لأنها بقيت على قيد الحياة، وحسب، واقفة عند تقاطع كل من الأزمة والحاجة، لتصبح ضحية الاستغلال، وتُجبر لتكون ضمن عمالة الأطفال، وينتفي حقها في التعليم.

أصبح الكثير من الأطفال، أيتاماً بعد الزلزال، لعيشوا في الشوارع، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة للمتاجرين بالبشر. وتشير التقديرات المتعلقة بالإحصاءات السنوية للأشخاص الذين تم الاتجار بهم من نيبال إلى الهند ودول أخرى، إلى أن عددهم يقدر بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف شخص. والكثير من أولئك الأفراد، هم من الأطفال والنساء الذين يتعرضون للاستغلال الجنسي لأغراض تجارية، أو للاسترقاق.

وبحسب التقديرات المستقلة الأخيرة، في ما يتعلق بالاضطرابات التي تلت مكان الزلزال، وصل عدد النساء المتاجر بهن إلى نحو عشرين ألف شخص، أو ما يعني المتاجرة بنحو 45 امرأة وفتاة يومياً، فضلاً عن وجود تقارير عن بيع فتيات في أوروبا بعد جلبهن من نيبال. وذلك بمعزل عن التطرق للرعب الذي يواجه الأطفال الذين تركوا مدارسهم في نيبال.

بالكاد، تكون صورة التعليم أكثر إشراقاً في أعقاب الزلزال. فقد تم تدمير ما يقدر بنحو 24 ألف صف دراسي في نيبال، وذلك على نحو ثقيل الوطأة، ليُترك نحو 950 ألف طفل دون الالتحاق بالمدارس.

وفي الأماكن التي لا تزال المدارس مفتوحة فيها، فإنها غالباً ما تكون غير آمنة. وعقب الهزة الأرضية، وضع مفتشو الحكومة، مجموعة من الملصقات الخضراء أو الحمراء على المباني التالفة، بما فيها المدارس.

حكومة نيبال، التي تحاول جاهدة تحقيق الاستجابة، بالكاد، يمكنها تحمل كامل المسؤولية عن ذلك الخلل الأكاديمي. وفي الحقيقية، فإن المجرم الحقيقي ليس فرداً بعينه، بل هو نظام المساعدات الإنسانية الذي يطاله الخلل من الناحية الهيكلية.

تستحضر مأساة نيبال، الحاجة إلى إجراء تحول هائل في المساعدات الإنسانية. فعندما تضرب الأزمات، سواء كانت حرباً مدنية أو كارثة طبيعية، فإن أول ما يستنجد به هو العاصمة، سواء من الناحية المالية أو الإنسانية، وذلك لتوفير الحد الأدنى الأساسي من الحاجات الضرورية للحياة، كالطعام والمأوى. وفي المقابل، فإن المساعدات الإنسانية المرتكزة على البقاء على قيد الحياة، تخصص أقل من 2 % من المساعدات للتعليم. وهنا، تتكشف الهوة التي تفصل الوقائع عن الافتراضات. وعلى العكس من ذلك، تخضع مساعدات التنمية العامة لرؤية بعيدة المدى، ولا تحركها الأزمة.

إلا أن التاريخ من سوريا إلى السودان، يقول غير ذلك، فبالنظر إلى الأطفال المتأثرين بأزمة ما، فإنهم بحاجة لأكثر من أساسيات البقاء على قيد الحياة. ويتطلب ذلك، القدرة على تأمين المهارات للأوقات المقبلة، فضلاً عن حاجتهم للأمل. ويعتبر التعليم.

وهو الاحتمال القائل بالقدرة على التخطيط والإعداد للمستقبل، على الأغلب لتحقيق ذلك الأمل. وفي المقابل، تستند المساعدات الإنسانية إلى الحقيقية القائلة إن الحدث هو أزمة قصيرة الأمد، تدوم لأيام كثيرة، أو لأسابيع أو أشهر، وليس لسنوات.

تبدأ جميع الكوارث باعتبارها كوارث طبيعية. ولا ينتهي الكثير منها، بل تصبح إخفاقات من صنع الإنسان، كنيبال اليوم. وعندما يتعلق الأمر بتمويل التعليم، فإن جل ما نطمح إليه لإيقاف القوة الدافعة لكارثة ما، وضمان استمرار التعليم من دون انقطاع، يتمثل بما يعرف بـ »التعليم في حالات الطوارئ«. فبدلاً من التقاط الأطفال من الأنقاض، أو بقائهم في رقعة مظلمة من الأرض..

فإنه يتعين على الأطفال الذين ألمت بهم كارثة، أن يشهدوا استمرار تعليمهم. إذ نرغب بأن يتطلع الأطفال عالياً في السماء، ويواصلوا صعود سلم الفرص. وبالنسبة إلى العائلات السورية النازحة نحو البحر، وللمحرومين في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والمستعبدين في بنغلاديش وميانمار، فضلاً عن الفتيات من أمثال ماميتا في نيبال، فإن مثل ذلك التمويل، سيكون بمثابة إشارة مضيئة وملحة، تبعث على التفاؤل في سماء وقتنا الحالي الحالكة.

 

Email