إطلالة على تاريخ المكتبات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف بدت المكتبات العربية في الماضي؟، من المؤكد أنها كانت شديدة التنوع، كالمكتبات الموجودة حالياً، ولكن يمكن لدراسة لبعض مكتبات المساجد التقليدية، على سبيل المثال في تونس والقاهرة، تقديم فكرة معقولة. وفي وقت مبكر، ورد وصف مثير للاهتمام لمكتبة شيراز، عند المؤرخ شمس الدين المقدسي، حيث يقول: «أسس عضد الدولة في شيراز، مقراً لا نظير له في الشرق ولا الغرب..

وقد تم إخبارنا بوجود 360 غرفة وقاعة. ومثلت المكتبة وحدها معرضاً بحد ذاته، وكان هناك مشرف، وأمين مكتبة، ومفتش». ويضيف أن المكتبة تتألف من قاعة واحدة ممتدة مقببة، ألحقت بها غرف عديدة لحفظ الكتب. وقد تم ترتيب الكتب على الرفوف، وهناك سقالات منفصلة لكل مجال من مجالات المعرفة. وهنالك العديد من الفهارس التي يتم إدراج جميع عناوين الكتب فيها.

غالباً ما يقدم المؤرخون العرب، تفاصيل عن نطاق المكتبات، وبالطبع، عن عدد الكتب التي تختلف من مكان لآخر. ففي إحدى المراحل الزمنية، زخرت مكتبة طرابلس بحوالي 3 ملايين كتاب. ناهيك عن أن إحدى مكتبات مصر ضمت 30 نسخة من «معجم» الخليل بن أحمد الفراهيدي، و2400 مصحف.

وفي وقت متأخر نسبياً، ورد وصف قيم للغاية لمكتبة قرطبة عند ابن خلدون: «وفقاً لتليد، أمين المكتبة في قصر الأمراء من عائلة مروان، كان هناك 44 فهرساً لتصنيف الكتب، قوام كل واحد منها 20 ورقة، ومع ذلك، تمثل كل ما قدمته تلك الفهارس بعناوين الأعمال..

وكان المستنصر بالله، حريصاً للغاية على زيادة أعداد الكتب في مكتبته، وعمد لإرسال تجار لجميع أصقاع الأرض، بعد أن صرف لهم مبالغ مالية معتبرة، من أجل شراء الكتب له. وفي قصره، عين رجلاً بمهارة فائقة في فن الخط والتغليف.

ونجح في التوصل إلى مجموعة متنوعة وفريدة من أكثر الأعمال قيمة. ويقال إن العدد تجاوز الـ 4 ملايين مجلد. وبقيت تلك المكتبة في القصر بقرطبة، حتى الوقت الذي حاصر فيه البربر المدينة. ليجري حينها بيع معظم الكتب، أو تجريد المكتبة منها بأمر من الحاجب واضح، أحد الموالي الذين أعتقهم منصور بن أبي المحاسن. وكما نعلم جميعاً، كانت الأندلس غنية بالكتب والمكتبات، ومن بين كل مدن الأندلس، تمتعت قرطبة بسمعة، قوامها ميلها الشديد للكتب.

شاع في ذلك الوقت القول: «إذا توفي عالم في إشبيلية، فإن كتبه تنقل لقرطبة، حيث يتم بيعها بأفضل سعر»، وبالمثل، «في حال توفي موسيقار في قرطبة، فإنه يتم بيع آلاته الموسيقية في إشبيلية».

ولم تختفِ المكتبات من خلال التخريب المتعمد من قبل البربر، أو المغول، وحسب، بل إن الجهل أو الإهمال ساهما في ذلك.

لم تكن جميع المكتبات عامة، فقد كان للرجال الأثرياء في كل أرجاء العالم الإسلامي، مجموعاتهم الخاصة «لدرجة بدأ العلماء ببث شكواهم من أن شراء الكتب أصبح صرعة»، ليس للدراسة، بل للتباهي، ما أسهم في زيادة أسعارها، بحيث لم يستطع العلماء الحقيقيون، ومحبو الكتب، تحمل كلفة شرائها. لتصبح المكتبة جزءاً ضرورياً من الديكور الداخلي، مثل الحمام، وأسست المكتبات من قبل مختلف الفئات. وقد تكون المكتبات، كذلك، من أنواع مختلفة تماماً، وتحددها كافة أنواع الأنظمة.

ولكن للأسف، على الرغم من كل الاحتياطات، لم تبقَ جميع المكتبات العظيمة، فقد تمت إعادة تشكيل بعضها، وأبرزها، تلك المكتبات الموجودة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومكتبة جامعة الأزهر بالقاهرة.

دعنا نعلق الآمال على أن يتم الحفاظ على كل المكتبات العظيمة في وقتنا الحالي للأجيال المقبلة.

Email