«الإسلاموفوبيا» عنصرية معاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعرف قاموس أكسفورد مصطلح «الإسلاموفوبيا» بكراهية الإسلام والمسلمين، أو التحامل عليهم، خاصة كقوة سياسية، وقد انتشر هذا المصطلح في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الهجمات الإرهابية، التي وقعت في الولايات المتحدة في سبتمبر عام 2001، وما تبع ذلك من عمليات إرهابية وانتحارية خلطت كثيرا بين الدين الإسلامي والإرهاب نتيجة تأويل منحرف ومتطرف له من بعض منسوبيه، وكذلك سوء فهم، متعمد أو غير متعمد، من أنصار الإسلاموفوبيا.

من هنا، عقد مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، الأسبوع الماضي، ندوة كبرى حول «الإسلاموفوبيا»، باعتبارها ظاهرة خطيرة تجتاح العالم وخاصة في أوروبا وأميركا، شارك فيها عدد كبير من السفراء والدبلوماسيين، وشهدت حضوراً إعلامياً غربياً لافتاً.

وهو ما يعد دلالة واضحة على الاهتمام المتزايد بتداعيات هذه الظاهرة ومظاهرها الصاعدة، على الدول الغربية ومنظومتها السياسية ونسيجها الاجتماعي.

تم عقد الندوة بمناسبة مرور خمس سنوات على صدور قرار مجلس حقوق الإنسان 16/‏18 بشأن مكافحة التعصب، والقولبة النمطية السلبية، والوصم والتمييز، والتحريض على العنف وممارسته ضد الأشخاص على أساس دينهم ومعتقدهم، ورغم أن هذا القرار كان خطوة هامة للحد من التمييز والكراهية بسبب الدين والمعتقد إلا أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» استفحلت في هذه السنوات الأخيرة بشكل كبير، وزادت معها معاناة الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في الغرب.

أكد المتحدثون على هذه الحقيقة، وذكر - روبيرتو سافيو - مؤسس وكالة الأنباء «إنتر برس» IPS أن التخويف من كل ما هو إسلامي أصبح مطية لقادة الأحزاب اليمينية المتطرفة، فملف «الإسلاموفوبيا» تم تسييسه من قبل هؤلاء بزعمهم أن الوجود الأوروبي بثقافته وقيمه أصبح مهدداً من قبل جاليات المهاجرين المسلمين.

وفند سافيو بالأرقام والإحصائيات، خرافة هذا التهديد باعتبار أن هؤلاء المهاجرين لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة لا تتعدى 8 %. من إجمالي سكان أوروبا الذي يبلغ 740 مليون نسمة، مشيرا إلى أن عدد سكان القارة سينخفض إلى 653 مليوناً بحلول عام 2050، أي ما يعادل 7% من سكان العالم في حين كانوا يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية قبل نحو قرن.

 مما يستدعي مراجعتها لسياسة الهجرة إليها. فيما اعتبر الدكتور رفائيل ليوجيي، مدير المرصد العالمي للديانات أن التخويف من الإسلام والمسلمين وتصويرها «غولا» يجتاح الغرب، ما هي إلا أوهام صنعها هؤلاء السياسيون لتحقيق أجندات سياسية محضة، ولا علاقة لها بأي تهديد للمثل الغربية ومبادئها وقيمها.

وقد شارك الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي بورقة هامة، تناول فيها الخطوات اللازمة لمتابعة تنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان 16/‏18، خاصة وأنه كان من الذين بذلوا جهداً كبيراً في إقراره قبل خمس سنوات، ولعل أجود إسهام فكري له لمعالجة هذه الآفة العنصرية، هو كتابه: «الإسلاموفوبيا» من المواجهة إلى التعاون.

كان هناك اتفاق تام بين أعضاء النقاش على أمر في غاية الأهمية، وهو أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» سبب رئيس لاندفاع أفراد من الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب وانضمامهم إلى الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها، حيث تستغل هذه التنظيمات مظاهر التمييز العنصري والتهميش الناتجة عن «الإسلاموفوبيا» لاستقطاب مزيد من الشباب من الجنسين للانضمام إليها، وقد بلغ عدد المنضمين لداعش في أوروبا نحو خمسة آلاف شخص بنهاية العام الماضي.

واقترح أحد المتحدثين فكرة إنشاء «أكاديميات للسلام» للحد من تنامي ظاهرة الكراهية الدينية، ولنشر القيم الإنسانية من حوار وتعايش وتعارف.

وهنا ذكرت دولة الإمارات ومبادرتها الفريدة وغير المسبوقة، بإنشاء وزارة للتسامح، معززة بذلك ثقافة التسامح المتجذرة أصلا في مجتمعها. وذلك من حيث التنوع الثقافي والتعايش الديني والعرقي الذي تتميز به الدولة..

Email