أزمة اللاجئين السوريين تهدد الجميع

ت + ت - الحجم الطبيعي

أزمة اللاجئين السوريين باتت تهدد الجميع، سواء الدول المستقبلة للاجئين أو التي رفضت استقبالهم، أو الدول التي يمر عبرها اللاجئون في طريقهم إلى أرض اللجوء...

وها نحن نرى تركيا نموذجاً أكبر للمعاناة من اللاجئين، رغم اعتقاد البعض أنها مستفيدة منهم، وأنها تتقاضى المليارات من المساعدات من الأوروبيين مقابل رعاية اللاجئين على أرضها وعدم السماح لهم بالتوجه للدول الأوروبية التي باتت لا تحتمل اللاجئين، لا مادياً ولا اجتماعياً، ولا نفسياً أيضاً، خاصة مع نمو فوبيا اللاجئين التي جعلت منهم مصدر قلق واضطراب للأوروبيين الذين يتهمونهم بالإرهاب والجريمة.

تركيا نفسها جسر اللاجئين لأوروبا باتت تعاني من الإرهاب، فقد قتل عشرة سياح ألمان لدى انفجار قنبلة في منطقة سلطان أحمد في قلب المنطقة السياحية في اسطنبول، التي ترجع إلى القرون البيزنطية ومناطق عثمانية مثل آيا صوفيا والمسجد الأزرق وتوبكابي.

ويبدو أن سوريين ينتمون إلى تنظيم «داعش» هم وراء التفجيرات الانتحارية. وعلى النقيض من الهجمات السابقة التي ارتكبها التنظيم في تركيا خلال العام الماضي، فإن هذا التفجير استهدف الأجانب على وجه التحديد. هذه التطورات اللافتة للنظر، أظهرت أن اسطنبول المدينة العالمية الأوروبية في الشمال الغربي من تركيا ليست محصنة من العنف في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا.

والآن مضى نحو ستة أعوام على النزاع السوري الذي تسبب بمصرع أكثر من 250 ألف شخص، وبنزوح ما يقدر بنحو 4.6 ملايين لاجئ إلى الدول المجاورة. وتستضيف تركيا نحو 2.5 مليون لاجئ منهم، وشهد عام 2015 عدداً غير مسبوق من السوريين الذين اجتازوا تركيا سعياً للحصول على اللجوء إلى أوروبا، فيما تبحث أنقرة عن طرق أخرى لتخفيف تحمل عبء اللاجئين.

وتبدو مترددة على نحو متزايد من تحمل مسؤولية ملايين اللاجئين بمفردها، وتستخدم اللاجئين كورقة للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، وبالأخص مع ألمانيا.

وحتى موعد قريب فقط، رحبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل باللاجئين السوريين ونفذت سياسة الباب المفتوح. وبرغم ذلك، تزايد استياء الألمان من هذه السياسة يوماً بعد يوم. وبناء على ذلك، أتت ميركل إلى اسطنبول في أكتوبر الماضي من أجل إبرام صفقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن اللاجئين.

الشروط كانت بسيطة، سيوقف أردوغان تدفق اللاجئين الآتين عبر تركيا، إلى أوروبا، وبالإضافة إلى ذلك، وافق الاتحاد الأوروبي على تزويد تركيا بثلاثة ملايين يورو من المساعدات.

ومنذ عام 2011 أصبحت حدود تركيا الممتدة لنحو 900 كيلومتر مع سوريا منفذاً لتهريب اللاجئين بشكل كبير، ويجب أيضاً إلقاء اللوم على كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين ساعدا بعض الدول في زعزعة استقرار سوريا. كما اعتبرت فرنسا، التي شهدت، أخيراً، عنفاً من قبل المجموعات المقاتلة على أراضيها خلال هجمات باريس- اعتبرت أيضاً إحدى أهم الجهات المسلحة للقوات في سوريا.

ألمانيا في المقابل، ألحت على النظر إلى المسألة بينما ظلت غير متأثرة بالعنف المتكشف في الشرق الأوسط. ودافعت بقوة عن الحقوق السياسية في ألمانيا وفي أماكن أخرى من أوروبا.

إلا أن هجمات باريس وتفجيرات سلطان أحمد تظهر أن إراقة الدماء بسبب الحرب الأهلية السورية ليست مقتصرة على سوريا، وقبل كل شيء، هناك تدهور في الوضع الأمني في المناطق الكردية التركية.

ولأكثر من ثلاثة عقود قاتلت تركيا حزب العمال الكردستاني في المعاقل الجبلية. والآن تقاتله في مناطق حضرية واسعة، وهو ما يقود إلى نزوح شامل للمدنيين من المدن الواقعة في الجنوب الشرقي لتركيا. ورويدا رويداً، أصبح الصراع الكردي مجدداً أشبه بالحرب الأهلية وتزايدت القلاقل عقب الادعاء بأن اللاجئين الأكراد في تركيا قد ينضمون إلى سيل اللاجئين السوريين المتدفقين إلى أوروبا.

في الشرق الأوسط اليوم، تدور رحى حروب أهلية في كل من اليمن والعراق وسوريا وليبيا. تركيا العضو في حلف «ناتو» التي اعتبرت من قبل واحة للسلام في المنطقة، يجب أن تتعامل مع أزمات كثيرة. وهناك ملايين اللاجئين اليائسين، الذين يشكلون تهديداً لهجمات تنظيم «داعش» المستقبلية والأكراد المتململين.

وعلى الرغم من أن الجميع يوافقون على أن الأزمة السورية لا يمكن حلها من دون إجماع إقليمي، فإن مصير ملايين اللاجئين السوريين يظل ورقة مساومة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يتصرف بعض قادته مع قضية اللاجئين بشكل من انعدام المسؤولية، وأحياناً بشكل من انعدام الإنسانية.

 

Email