مكارم الأخلاق الحميدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يطاوعني قلمي أن تمر ذكرى المولد النبوي الشريف، الذي صادف يوم 23 ديسمبر الماضي، دون كتابة مقالة خاصة بهذه المناسبة.

المولد النبوي الشريف، الذي صادف بتاريخه أعياد الميلاد، وقريباً من احتفالية رأس السنة، ولعلها الصدفة والفارق الزمني بين احتساب مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بالحساب القمري، والأعياد المجيدة بالحساب الشمسي، هو ما قادنا إلى هذه الصدفة التي استوقفتني لإعادة التفكير في معنى المولد النبوي الشريف للمسلمين.

أليس في هذا اليوم، وُلد سيد البشرية، والذي بشرنا بالرسالة العظيمة، ومن لحظتها كانت بداية أمة عظيمة، امتدت عبر التاريخ وصنعت أمجاداً، إلى أن وصل بنا الحال إلى ما عليه الأمة هذا الزمان.

رسولنا الكريم له مكانة عظيمة في نفوسنا، لكن ما نحن بحاجة إليه، وما نود التذكير به في مثل هذه المناسبات، هو أصل الرسالة السماوية التي جاءت في ديننا الإسلامي الحنيف، والتي تمثلت في أخلاقه صلى الله عليه وسلم، عندما قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

الأخلاق التي تناساها الكثيرون في تعاملاتهم اليومية، وأصبحت شبه منسية بالنسبة للبعض الآخر، فهي ذات الأخلاق الحميدة التي نادى بها الإسلام، والتي كانت من أسباب انتشار الدين الإسلامي، عندما تمسك المسلمون بها، ليكونوا قدوة للبشرية.

إن الالتزام بالأخلاق قضية يندرج تطبيقها تحت مسمى «السهل الممتنع»، فالجميع يعتقد أن الالتزام بالأخلاق أمر صعب، وهو في واقع الأمر يعد سهلاً، لكن، ممتنع قليلاً، فتعويد النفس على التعامل مع الغير بالأخلاق، هو ما يصعّب المسألة، والالتزام بالأخلاق يحتاج مثابرة ومراقبة للنفس.

في هذا الزمان الذي نبحث فيه عن مكارم الأخلاق، ونقول إنها بعيدة المنال، وكما يقول المثل «اختلط الحابل بالنابل»، فقد أصبحت الأمور غير واضحة، والنفوس مشوشة ومريضة عند البعض، فأصبحنا أمة الأخلاق في الكتب، وبعيدين كل البعد عنها في الواقع.

المواقف كثيرة في سيرة رسول الله، وعلينا أن نتذكرها، وأن نعيد نشرها لتصل إلى النفوس، لنطهر أنفسنا من العنف والقتل والدمار، في ظل ما تشهده المنطقة العربية من نزاعات وصراعات، ويتعين علينا التصدي لها، لنحمي أمتنا وتاريخنا الإسلامي، وكيف لنا أن نوقف كل هذه الصراعات، إلا بتغيير النفوس وتغيير القلوب.

«مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو، تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى»، وهذا حديث آخر لرسولنا الكريم، يدعونا إلى التلاحم والتراحم والتعاطف، فلو أوجدنا هذه الروابط بين أفراد أمتنا الإسلامية، لاختصرنا الكثير من النزاعات، وحقنا دماء المسلمين التي تهدر كل يوم هنا وهناك.

لنا أن نطرح بعض التساؤلات التي يجب علينا إيجاد إجابة لها، لنحل هذه الإشكالية، ونزرع الأخلاق في نفوس وقلوب الأجيال القادمة، التي لا نريد لها النزاع والشقاق والفتنة والمحن، أول تساؤلاتي، أين الأعمال الفنية والدرامية التي تجسد هذه الأخلاق، أين أعمالنا كعرب الموجهة للأطفال، التي تزرع في نفوسهم حب الخير.

وتجعل من رسولنا الكريم قدوة للأجيال، وتجسد لهم صفات وأخلاق نبينا، وكيف يتعامل بالحسنى مع الناس، وسيرة رسولنا الكريم مليئة بالقصص المشوقة، التي تشد انتباه الأطفال والكبار، وأين الأعمال الفنية والرسائل الإعلامية التي تحث على التعاطف والألفة بين الناس، في حين أصبح الإعلام العربي صياد الهفوات، وشغله الشاغل تقصد الأخبار، وتناسى مهمته الأساسية، وهي بث رسائل توعوية للكافة.

المشكلة ليست فقط في وسائل الإعلام العربية، بل أيضاً هنالك خلل في المنظومة التعليمية العربية، التي إن ذكرت في مناهجنا سيرة رسولنا الكريم، ذكرت التاريخ والغزوات، ولم تجسد أخلاق رسولنا الكريم في سطورها إلا ما ندر.حتى في مجالسنا وسهراتنا وحديثنا، فلا بد أن يتخلل تلك المجالس ذكر لرسولنا عليه الصلاة والسلام وسيرته، وأن نقص على بعضنا البعض صوراً من أخلاقه التي نادى بها ديننا الإسلامي، فالإسلام جاء لتهذيب النفوس.

الموضوع يطول، لكن أسطر أوراقي تكتفي بهذه الإشارة الصغيرة، التي علينا أن نسعى جميعاً لتعميقها، وجعلها منهجاً في حياتنا اليومية، وأن نستغل أحاديثنا ورسائلنا بين بعضنا البعض، وبيننا وبين أبنائنا، بوصف أخلاق رسولنا الكريم.

والمهم والأهم، أن نحاول أن نسيطر على أنفسنا وقلوبنا، وجعلها متحابة متسمة بخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نتذكر قول الحق تبارك وتعالى في سورة الرعد: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» [الرعد:11]، فمقالتي اليوم، دعوة لنفسي، ولكم جميعاً، لنجعل من الأخلاق الحميدة مسيرة لحياتنا، ومنهجاً في تعاملاتنا، ولنكن صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، وليعلم العالم كافة أن ذكرى مولد نبينا الشريف، هي أحياء للخير في قلوبنا ونفوسنا.

Email