شهداء الإمارات البواسل سلاماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُقدِّمُ الأمم في سبيل نجاحاتها وبنائها الحضاري الكثير من الجهد والعمل المتواصل في مختلف قطاعاتها التنموية، ويبقى العنصر البشري من أهم وأبرز المقومات الممكّنة لبناء الحضارات، لذلك أولت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها بناء الإنسان مكانة أساسية في سلم استراتيجيتها في البناء والتقدم، وما نراه رأي العين اليوم من تقديم المهج والأرواح في جبهة اليمن تحديداً ما هو إلا لبنات بناء تراكمي لم ينته عند المشاركة الطوعية في الدفاع عن الحق والواجب أو نصرة المظلوم ورد المعتدي فحسب بل تعداه إلى الاندفاع تقدماً نحو الصفوف الأولى لنيل شرف الاستشهاد في سبيل الله أو النصر القادم.

إن ما نراه اليوم في الإمارات الغالية من تسابق أبنائه الأبرار نحو جبهات الشرف والبطولة يعتبر أنموذجاً حياً على الولاء بالدماء والأرواح والمهج، وتطبيقاً عملياً لقيم الانتماء وتجاوزاً للكلمات المنطوقة إلى تطبيقات الفعال والعمل الحقيقي الذي لا زيف فيه، لذا جدير بنا ونحن نلحظ ملامح التغيير الكبرى تتجسد في منطقتنا والعالم بأسره، بل وتنكشف الأستار وتظهر الحقائق كاملة دون نقصان أن نسجل الملمح الأول استراتيجياً وهو الولاء بالأرواح والدماء. إن أجمل صور الولاء التي رسمتها مرحلة اليوم هو أن بيوت الإمارات من مختلف مناطقها وقبائلها قدمت شهادات العز والولاء وهي تتسابق دون تشكك أو تراجع الذي يقف المتتبع للتأريخ وقفة إجلال وتقدير واحترام أمامها.

نقول خلال رسمنا للملح الأبرز للشهيد: سلاماً أيها البطل فإنك حي عند الله يأتيك رزقك حيث شئت كما وعد المولى عز وجل، لقد بذلت النفس لله وسعيت دفاعاً عن الدين الحق والأرض والعرض والوطن والهوية...أيها الشهيد: مهما مضى من وقت وأعمار فأنت باق بذكراك الطيبة في ربوع الوطن كل الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، بل إن دماك الطاهرة التي امتزجت بتراب الأرض تسري في عروق أجيال اليوم والغد إلى يوم الدين تفاخراً ورجولة... لقد أمضيت القسم ووفيت بالعهد وصرت بدراً ساطعاً متلألئاً لن يغيب يوماً عن سمائنا ما حيينا، سعيت لشراء الجنات بالنفس التي بعتها لله، وقد اشترى الله عز وجل ما أعطاك، ونعم من اشترى وهو أكرم من يعطي خلوداً وضماناً بالراحة الكبرى الأبدية، واليوم أصبحت دماؤك الزكية شهادة لك بأن تشفع لأهلك وذريتك وأحبابك فهنئياً لك ولهم، وإن تركت الولد فإن الله يكفلهم وقد وكلت لهم رب العزة ثم قيادة استثنائية يفتخرون بك وبهم ومعهم حيال ما بذلت.

أيها الشهيد: حين نادى منادي الفجر كنت عند التكبيرة الأولى ولما هتف داعي النزال لم تتردد وثبتت أقدامك في الصفوف الأولى، لقد قتلت الصمت الطويل في نفوس أمة العرب وحررت المارد في دواخلنا وزرعت الأمل بأن المجد القادم تسطره دماء الخالدين وترويه تضحيات الأبرار... أيها الشهيد: كنت المبادر والسابق والأول، وليس اللاحق كالسابق إطلاقاً، ونحن اليوم نستقي من تضحياتك ما يعيد الحياة إلى أجساد تتحرك بلا أرواح.

أيها الشهيد الكبير: لم تثن من عزمك الأخطار والأهوال أبداً، بل قدت جيلاً كاملاً نحو التغيير الحضاري الكبير، إن نفسك التي ظلت ترنو نحو الموت والاستشهاد وتبحث في كل زاويا المجد موقعها التي لم تحد عنه، وكأني بك تطلب حياة أخرى لتجود بها في سبيل الله مرة تلو أخرى لتعيش الشموخ الأبدي والعزة الخالدة، فحيهلاً بخاطب الحور الحسان وجنة الرحمن، حري بك أن تظل مبتسماً ضاحكاً وأنت ترتدي ثوب الكرامة التي لا ينالها إلا أعزة النفوس أمثالك.

أيها الشهيد: كم أسقطت يمناك بالحق رايات الباطل عند سد زايد أو سد مأرب كما يسمونه، وكم دمرت من معاول الهدم القادمة من وراء الخليج العربي، وكم عرّت بقايا النفاق والشقاق في أمتنا من قيادات متهالكة أمثال علي صالح وأزلامه وأشباهه الذين لم يدركوا أن زيف ادعاءاتهم لم ولن تفلح بعد اليوم وأن ورقة التوت الأخيرة قد سقطت وانكشف الستار عن مشاهد ظلمهم وغيهم الأبدي، وما عاد التاريخ الذي يسطره جند الوفاء والخير القادمين ليسمح بعودة باطلهم الذي أطالوا فيه كثيراً.

أيها الشهيد: عذراً فإن أقسى ما يتمناه أمثالنا اليوم هو مرافقتكم في موكب الشهداء غداً في جنان الخلد، ولعل شفاعة تلحقنا بهذه الكلمات ونحن أملنا في الله عظيم أن يسكنكم أعالي الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، وفي صحبة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم...أيها الشهيد: كم يتمنى المؤمنون الصادقون منذ فجر الإسلام نيل الشهادة في جبهات القتال والمعركة ولم ينلها إلا القليل وأصبحت اليوم منهم أيها الشهيد، وهنا يجل التأريخ أن خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي يضرب لنا مثلاً الذي كان يبكي على فراش الموت، وهو يقول: لقد حضرت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.

Email