حجر أم خنجر.. الاحتلال مولد الانتفاضات

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصفت صحيفة »أوبزيرفر« البريطانية في تقرير لها من فلسطين نشر الأحد 18 اكتوبر، هبة الشبان الفلسطينيين بأنها »ثورة الخناجر«، وأن »هذه الهجمات تختلف عن الانتفاضات السابقة، اذ ان المهاجمين يتحركون فرديا ولا تربطهم علاقات الا وسائل التواصل الاجتماعي«، حسب الصحيفة.

ونقل كاتب التقرير بيتر بومونت عن أقرباء شهيد فلسطيني قتل برصاص الاحتلال قولهم »ان هؤلاء الشباب يمثلون جيلا جديدا من الفلسطينيين الأذكياء والمتعلمين الذين لا يتحملون الإهانة وهم يقولون اذا كنا سننتقل في كل الأحوال فالأفضل ان نبادر بالهجوم على من سيقتلنا«.

وفي 14 اكتوبر، كتب رئيس تحرير وكالة »معاً« الإخبارية الفلسطينية د. ناصر اللحام ان المخابرات الإسرائيلية »لا تعرف من يقود الانتفاضة على الأرض ومن هو الكابينت (الحكومة) الذي يصدر الأوامر والتوجيهات«، مضيفا ان الإسرائيليين »طوال الأسبوعين الماضيين اخضعوا مكتب الرئيس ابومازن ومكتبه ومستشاريه والهواتف وأجهزة الأمن والمحافظين والوزراء والحكومة والبنوك ومواقع التواصل الاجتماعي لرقابة استخباراتية لصيقة دون جدوى، ولم يعثروا على اي قائد ولا اي محرض ولا الجهة التي تصدر الأوامر«.

وينقل عن احد المحللين العسكريين الإسرائيليين قوله ان »المخابرات الإسرائيلية عجزت ولا تستطيع ان تعرف شيئاً، لأن المنفذين انفسهم لا يعرفون«. ويخلص للقول: »قد تتشكل من الفصائل الفلسطينية قيادة موحدة، لكن هذه القيادة مثلنا جميعا ستضطر ان تأخذ الأوامر وتعيد توزيعها، فالقيادة بيد كابينيت سري فاعل لا أحد يعرفه، ولا يبدو ان أحدا سيعرفه في الأشهر القادمة«. (كابينت الانتفاضة ـ موقع وكالة معا الاخبارية، 14 اكتوبر 2015).

يبدو هذه التوصيف دقيقاً لهبة الجيل الجديد من الفلسطينيين، لكنه من منظور تاريخي بحت، ليس جديداً. فلقد اصيب العالم بالدهشة نفسها حيال انتفاضة العام 1987 وراح يتساءل عن سر المسيرات والتظاهرات التي دفعت بأجيال من الشعب الفلسطيني إلى الشارع في كل انحاء الضفة الغربية وغزة، واطلق على تلك الانتفاضة »انتفاضة الحجارة«.

وقتذاك راح اسحق رابين الذي كان وزيراً للحرب في حكومة اسحق شامير يزور المعتقلات ويلتقي بالشبان الفلسطينيين المعتقلين، ويطرح عليهم سؤالاً واحداً: ماذا تريدون؟ الجواب كان واضحاً وموحداً: »منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، القدس الشرقية، عودة اللاجئين«. وعندما سألهم رابين مع من نتفاوض، اجابوه: »تعرف العنوان في تونس، اذهب اليهم وتفاوض معهم«.

ما الذي تغير؟ في سياق التاريخ، لم يتغير شيء، ثار شبان الثمانينات الفلسطينيين ضد الاحتلال، وشبان الألفية الثالثة يثورون الآن ضد الاحتلال. اولئك كانوا بقيادة موحدة من الفصائل الفلسطينية، أما هؤلاء فلا شيء من هذا، بل قيادة (كابينت) غير معروف مثلما يقول ناصر اللحام، لكن السبب والعلة والهدف هو نفسه لم يتغير: »الاحتلال الإسرائيلي«.

ضمن هذا السياق، تكررت الانتفاضات الفلسطينية واحدة تلو الأخرى ضمن كل الظروف والمعطيات وفي كل مرحلة، فالثورة ضد الاحتلال اصبحت سمة ملازمة لكل جيل فلسطيني، لا بسبب صفات وراثية خصوصاً لكن لأن السبب والدافع الأكبر لم يتغير: »الاحتلال الإسرائيلي«.

على هذا النحو تكتسب كل انتفاضة فلسطينية سمات الجيل الذي يطلقها ويقودها. والمقارنات المتعددة بين الانتفاضات الفلسطينية منذ هبة يوم الأرض في 30 مارس 1976، قد تعطينا مجالاً واسعاً لفهم خصائص كل ثورة وانتفاضة فلسطينية، لكن القاسم المشترك فيها سيبقى دوماً هو الاحتلال الإسرائيلي. وقد تقودنا المقارنات إلى التفكير في ان الفلسطينيين جربوا كل الوسائل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فما هي الوسيلة الأنجع من بين كل ما جربوه؟

اعتقد ان هذا النوع من التفكير وان كان يمثل رد فعل طبيعي، فهو سؤال ملازم لكل الثورات ولدى كل الشعوب في ذروة نضالها ضد المحتلين. وهو سؤال قد يبدو مدفوعاً بالرغبة في الخلاص مرة واحدة والى الأبد من كابوس الاحتلال والرغبة في الحصول على يقين بشأن المستقبل، وهذا امر طبيعي. لكن غير الطبيعي هو ان يكون هذا السؤال باعثاً على التفكير العدمي الذي تبرز اول علاماته عندما يتحول الاهتمام من مواجهة العدو الرئيسي إلى صراعات جانبية وثانوية وسط الشعب الخاضع للاحتلال وقياداته ونخبه.

يبدو هذا التذكير مهماً طالما أن حكومة المستوطنين هذه التي يقودها بنيامين نتانياهو ونخب الإسرائيليين لا ترى الانتفاضة الا من زاوية تهديدها لهيمنتهم على القدس المحتلة.

فافيغدور ليبرمان لا يرى في الانتفاضة سوى نتاجاً للفشل في حرب غزة الأخيرة (2014) لأن الجيش الإسرائيلي فشل في القضاء على ما يسميه »مملكة الإرهاب القائمة في قطاع غزة« متهما حركة »حماس« والحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 1948 بالوقوف وراءها.

لا تختلف الصحف الإسرائيلية (حسب ما نقلته صحيفة المستقبل اللبنانية في 18 اكتوبر) ايضا وكتابها في هذا المنظور عندما لا ترى في الإجراءات التي اتخذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في القدس عبر نصب الحواجز العسكرية ونشر الكتل الاسمنتية على خطوط التماس بين الشطر الشرقي والغربي للمدينة سوى اقرار بأن القدس اصبحت مقسمة على الرغم من التصريحات الإسرائيلية الرسمية بأنها موحدة.

Email