رسب العرب ونجح العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

نتيجة لا تسر، التي أعلنت قبل أيام، عن البطالة في العالم العربي. فما يحصل في منطقة الشرق الأوسط، محبط ومقلق، ليس فقط على مستوى الأحداث السياسية، بل على مختلف الأصعدة، ومنها الاجتماعية. يقول تقرير منظمة العمل الدولية، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المرتبة الأولى عالمياً في معدل البطالة عام 2014. بينما تحسنت المعدلات في بقية دول العالم.

والمشكلة أنها في ازدياد، ما يعنى أن الأوضاع في تراجع، رغم كل الخطط والطموحات بفتح فرص عمل جديدة، وتشجيع القطاع الخاص ومحاربة الفساد، لتأتي الأرقام صادمة، فنسبة البطالة بين الشباب 30 في المئة، مقارنة مع 13 في المئة النسبة عالمياً. وهذا يعنى أن البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكثر من ضعف معدل البطالة عالمياً.

والنتائج واضحة، فمزيد من البطالة هو باختصار مزيد من الإرهاب والعنف والجريمة. شباب هم ضحايا لخطط فاشلة، وحكومات عجزت أن تترجم طموحات التنمية إلى واقع فعلي، وانشغلت بالسياسة والعسكرة على حساب التنمية وبناء الإنسان.

مقارنات مخجلة في حق الإنسان العربي، وحتى المناطق التي كانت الأقل نمواً والأكثر بطالة في أفريقيا جنوب الصحراء والبحر الكاريبي، تقول المنظمة إن معدلات البطالة تتراجع فيها، بعكس منطقة الشرق الأوسط التي ترتفع فيها البطالة.

أيُّ مستقبل ينتظره الشاب العربي إذا كانت فرص العمل تتراجع ومجالات التنمية تتقلص. ومعدلات النمو الاقتصادي بالسالب. وهذا الجيل هو الذي يدفع ثمن الأخطاء التي ارتكبت في حقه، وارتكبت جريمة التهميش والاستغلال والتسطيح التعليمي، حتى أصبحت طموحات الشاب العربي، الحصول على تأشيرة دخول لدولة أوروبية، أو حتى الانتحار في قوارب الموت، بحثاً عن أمل يعيش من أجله، وحياة كريمة تستوعب إنسانيته.

خريطة كئيبة للعالم العربي، فسوريا الجرح الذي تحول سرطاناً يهدد المنطقة بكاملها، بل والسلم العالمي، وأصبحت أرضه مجالاً مستباحاً لجيوش العالم وعصابات العالم، والضحية المواطن السوري، الذي يعيش في مخيم ويموت في قارب. ونظام قابع في قلعته، يتابع شعباً يمحى بالكامل، ويضحي بشعب من أجل السلطة. أي أخلاق بقيت، وأي ضمير للعالم، وهو يشاهد ويراقب ويحتج.

والبقعة السوداء ليست هنا فحسب، فالعراق بنفطه وأنهاره، تحول إلى مرتع للفساد، ومساحة لقوى خارجية تلعب بمقدراته وقراره. ويسجل الأرقام القياسية عالمياً في أرقام الفساد والرشاوى، وكأن شيئاً لم يكن. فالساسة يتحاربون ويتنافسون على اقتطاع الكعكة الأكبر من الأموال، على حساب المواطن العراقي، الذي كان يوماً ما هو الأكثر تعلماً ومعرفة في المنطقة.

وليبيا التي أصبحت أرضاً جاهزة لحرب أهلية. وتحولت إلى حكومات وبرلمانات تمثل كل شيء إلا الإنسان الليبي. واليمن الذي تشيطنت فيه إيران، وشقت لُحمة هذا الشعب، الذي كان يفتخر بصناعته للوحدة بين شماله وجنوبه، والآن يعيش الوضع الأصعب، ويفتقد الحد الأدنى من مقومات الحياة، ورغم ذلك، يسيطر الجهل، ويحاربون من أجل قوى تستخدمهم لأهداف سياسية. وينتهي الأمر بالإنسان اليمني ليقف في طوابير طويلة ينتظر المساعدات من الدول والمنظمات الإنسانية.

أوضاع المنطقة لا تبشر بخير، وواقع الحال يقول إنه كلما زادت البطالة وتراجع الاقتصاد، انعكس ذلك على الإرهاب والحروب.

وهناك عوامل جديدة في المنطقة، فتراجع أسعار النفط، ووجود مصادر طاقة منافسة في أماكن أخرى في العالم، يعني أن البحبوحة الاقتصادية التي كانت تغطي الثغرات، بحكم توفر المادة، لن يصبح متاحاً بعد ذلك. وهذا يعني أن تراجع الدخل لن يؤثر سلباً في دول الخليج وحدها، بل سيؤثر في المنطقة العربية، لأن العمالة والمشاريع والدعم يرتبط بمنطقة الخليج، وتستفيد منها بقية الدول العربية. وهذا الوضع لن يكون مضموناً، في ظل تراجع أسعار النفط.

التنمية وبناء الإنسان، هما المدخل لمحاربة الإرهاب. حينما يعيش الأمل، ويجد الشاب العربي فرصاً لمستقبل أفضل. تصبح الحياة لديه لها قيمة. الخطورة، حينما تضيق مساحة الأمل، فيصبح فرسة سهلة للانقياد، لأن الحياة في مقاييسه لم تعد ذات قيمة.

تحميل المسؤولية على الغرب والمؤامرة، حديث فارغ من معناه. القضية نحن، والإشكالية هي مسؤوليتنا. فالغرب يهمه أن يبقى المهاجرون بعيداً عن حدوده. فتدفق المهاجرين يمثل تهديداً للتركيبة الديموغرافية لهذه الدول.

المضحك والمبكي في نفس الوقت، من يطلع على تقارير التنمية البشرية التي أصدرتها الأمم المتحدة في 2012، يجد أن التقرير يتنبأ باضطرابات سياسية ومشاكل داخلية، ما لم تركز الدول العربية على الاستثمار في القدرات البشرية، والتركيز على التعليم والصحة ومهارات العمل. ويقول التقرير وقتها، إن المنطقة العربية ممكن أن تحصد عائداً كبيراً من فرصة التحول الديموغرافي، إذا استثمرته في فرص عمل للشباب.

تقارير كثيرة صدرت بعد هذا التقرير، وكلها تتفق على نفس الخطوط العريضة. والنتيجة، للأسف، الأرقام الصادمة الأخيرة للبطالة، خلاصتها أننا في القاع، مقارنة مع بقية دول العالم.

كم من تقارير ننتظر حتى نكتشف حقيقة المقولة، رب يوم بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه.

Email