آداب وقواعد الحوار

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المجتمعات المتحضرة يعرف المتحاورون كيف يتفقون على أمور وكيف يختلفون على أمور أخرى، أما في المجتمعات المتخلفة بصفة عامة فإن المتحاورين سرعان ما يتشاجرون عندما يختلفون. قد لا يأخذ الشجار صورة المنازعة بالأيدي والكلمات ولكن يأخذ صورة الاختلاف الحاد في الرأي الذي قد يؤدي إلى نوع من القطيعة بين متحاور وآخر، والقطيعة النفسية قد تكون أحياناً أكثر وجعاً من الكلمات.

في تقديري أن أهم مقدمات ثقافة الحوار المنتج هي الاعتراف بالآخر «وأن هذا الآخر – أياً كان – له مثل مالي من حقوق، وليس من حقي أن أصادر حقه قبل أن أسمعه». لكن للأسف المر فإن «الآخر» في بعض مجتمعاتنا يجري إنكار حقوقه بل ووجوده لمجرد الاختلاف في المذهب السياسي أو الديني أو الإثني. وهذه كارثة من الكوارث. لأن الناس خلقوا مختلفين، لكي يتعارفوا ويتآلفوا لا لكي يتصارعوا ويتقاتلوا.

خذ مثلاً تلك الحالة التي تقسم «بعض» المجتمعات الإسلامية إلى أهل سنة وشيعة، فبعض أهل السنة ينكر على الشيعة كل حقوق الاختلاف في الرأي، وكذلك يفعل بعض الشيعة مع أهل السنة. ذلك أن الإسلام عند كل المستنيرين في الماضي البعيد والحاضر القريب هو إسلام واحد لا يفرق بين سني وشيعي، ورحم الله الأمام محمد عبده وكثيراً من شيوخ الأزهر الفضلاء.

وقد يكون السبب المباشر الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو تجربة أعيشها في الأيام الأخيرة التي أقضيها في مكان رائع في الساحل الشمالي، والتقى فيه كل مساء مع مجموعة من الأصدقاء والمثقفين وقد يتيح لي وقت «الإجازة» أن أشاهد بعض برامج التلفزيون، خصوصاً البرامج التي يجري فيها حوار حول موضوع معين قد يكون مثيراً للجدل والخلاف.

أما حوارات مجموعة الأصدقاء التي تلتقي بعد الساعة التاسعة مساء كل يوم، وتستمر جلستها إلى قرب منتصف الليل، فتدور بنا حول كل شيء في مصر، وبالذات منذ فترة جمال عبدالناصر وحتى الآن، ولعل مناسبة افتتاح قناة السويس الجديدة، ذلك المشروع الرائع الجبار، الذي لا أتصور بتفكيري المحدود أن تكون جدواه محل اختلاف بين أحد، ومع ذلك نسمع البعض يختلفون حول جدواه، بل إن البعض يصل إلى حد أنه كان مشروعاً مكلفاً ولن تكون له جدوى. هناك مجموعة من الناس مهمتها تثبيط الهمم والتشكيك في كل شيء مهما كان غير قابل للتشكيك فيه من كل ذي عقل مستنير.

جمال عبدالناصر بطل عند البعض والسد العالي وبداية التصنيع وإيمانه بالعروبة، كلها أمور واضحة وتستحق الإعجاب، ولكن البعض يراه رجلاً كان يسعى وراء مجده الشخصي وأن كل ما قام به هراء في هراء.. إلى هذا المدى يجري الحوار أحياناً إلى حد أن البعض ومنهم من يكون طويل البال جداً لا يستطيع الاستمرار في الحديث ويترك الجلسة.

وإذا كان هذا هو حال هذه المجموعة المثقفة، فإن حال بعض البرامج التلفزيونية أكثر بؤساً وضلالاً.

رأيت أحد البرامج واسعة المشاهدة، أوشك بعض المتحاورين فيه أن يمسك بعضهم بتلابيب بعض، رغم أن المسألة كانت تدور حول تقييم ووزن أحد حكام مصر السابقين، وكان من الممكن أن يتم الحوار هادئاً ويقول كل شخص رأيه بهدوء وينتهى البرنامج على خير ويستفيد المستمعون. ولكن البرنامج انتهى على شر مشاجرة بين المتحاورين.

حقاً تعالوا نتعلم كيف نختلف.. تعالوا نتعلم ثقافة الحوار المنتج.

Email