التجربة البرلمانية خطوات صلبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما من المبكر الحديث عن انتخابات المجلس الوطني الاتحادي المزمع إجراؤها في الثالث من أكتوبر المقبل، إلا أنه ليس مبكراً أبداً الحديث عن الاستعداد النفسي والاجتماعي لهذه الخطوة المباركة وحشد الوعي اللازم للخروج بأفضل النتائج منها، والصعود من خلالها على سلم التمكين السياسي الذي وضعت درجاته قيادتنا الرشيدة وأعلت من شأنه ورسمت الخطط الملائمة لمجتمعنا ليسير بيسر وأمان نحو إنجاح هذه التجربة والخروج منها بأفضل النتائج الديمقراطية الحديثة.

تجربتنا السياسية طامحة نحو التميز، واثقة من زرعها مستبشرة بحصادها لأنها قائمة ابتداءً على عنصر الثقة المتبادلة بين القيادة والشعب، بل إنها تدور بين حرص الآباء وولاء الأبناء في مجتمع أسري متماسك يتعاون فيه الجميع لمصلحة الجميع، وتنشط خطوط التشاور والتناصح والعمل المخلص بين صناع القرار وأبناء الوطن في بيئة تضع مصلحة دولة الإمارات فوق كل مصلحة.

صحيح أن تجربتنا في المشاركة السياسية لا تزال فتية إلا أنها قوية واضحة المعالم، ولا شك أن مرحلة التمكين التي وجه بها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في ديسمبر 2005، اقتضت فتح المجالات كافة أمام المشاركة الشعبية لأبنائه المواطنين وبناته المواطنات، من خلال مسار متدرج منظم، وكما أكد ذلك معالي الدكتور أنور محمد قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات حين قال: إن هذا التمكين بدأ بتفعيل دوره عبر انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، لذلك بدأت التجربة محدودة في عام 2006، مع مشاركة 7000 ناخب، ثم اتسعت في عام 2011، لتصل إلى 130 ألفاً، وصولاً إلى عام 2015، الذي سيشهد مشاركة 224 ألف ناخب، مع استحداث «الصوت الواحد» هذا العام بدلاً من «الصوت المتعدد»، كما كان الحال في الدورتين الماضيتين.

هذه الثقة بين الآباء والأبناء التي صبغت العلاقة بين القيادة الرشيدة والشعب هي تلك الروح التي ستبقى بإذن الله تعالى سارية في عمق التجربة البرلمانية الإماراتية، لأننا في بيت واحد متوحد، وكلنا يحمل هم هذا الوطن وبمسؤولية واحدة، والتدرج في النضج السياسي وعدم التسرع في قطف الثمار يزيد في طيبها ونضوجها وخروجها كنموذج حضاري عصري بعيد عن الاستقطابات الجوفاء والعمل المتشنج والتجاذبات التي تؤثر على مسيرة الوطن النهضوية.

نحتاج بلا شك إلى جرعات واسعة ومستمرة من الوعي الجماهيري بأهمية هذه التجربة وضرورة إنجاحها والمشاركة فيها ورعايتها خطوة خطوة لأننا بحاجة ماسة لأن نشارك في البناء السياسي عبر قبة البرلمان لتصل أصوات جميع أبناء الوطن إلى القيادة الرشيدة واضحة كما تحب ذلك القيادة وتدعو إليه باستمرار، وهي التي اعتادت مع شعبها على الدوام سياسة الأبواب المفتوحة وهو ما ندر أن نجده في كثير من المجتمعات.

هذه الثقافة البرلمانية أمانة في أعناق الجميع تربويين وإعلاميين وسياسيين لترسيخها في المجتمع لاعتقادنا الراسخ أن البناء السياسي المحكم في دولتنا الفتية لن تكفيه تجربتان انتخابيتان، بل لا بد له من دوام التواصل والعمل المجتمعي عبر شتى الأبواب التوعوية للتعريف بالمؤسسات البرلمانية والمرشحين وآليات الترشح والعملية الانتخابية برمتها من مواقيت وبرامج مطروحة وذلك لتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات وهي عملية منوطة بالمسؤولين عن صياغتها على مدار العام وليس قبل أسابيع من موعد الانتخابات. نثق بمنهجنا السياسي ورسالة الدولة فيه واضحة، لأننا نثق بقادة الوطن الحريصين على كل خير له ولأبنائه، ولأننا لا نضع قدمنا في المستقبل إلا على أرض صلبة ثابتة، وكما قيل قديماً «من استعجل الثمار قبل أوانها عوقب بحرمانها».

Email