لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب

ت + ت - الحجم الطبيعي

رحل وزير خارجية المملكة العربية السعودية، الذي أبحر في بحار السياسة والدبلوماسية على مدى أربعين عاماً، منذ عام 1975، الأمير سعود الفيصل، شخصية اعتبارية دولية وإسلامية وعربية وازنة، كانت ذات أثر عظيم على مستوى العالم.

لم يكن شخصية عادية، فهو بالإضافة إلى تعليمه وخبرته، والكاريزما التي يتمتع بها، حمل على محياه ذكاء العربي، حيث اتسم وفقا لعارفين بذكاء حاد، مكنه من صياغة مقاربات حكيمة على مستوى الدبلوماسية السياسية السعودية، والعربية وعلى مستوى العالم، سانده في ذلك، قدرته على استبصار المقبل على مستويات كثيرة، بالإضافة إلى السمات الشخصية التي كانت تؤمن ان لا غضب ولا احقاد في العمل الدبلوماسي، لأن هذا العمل يتعرض لتقلبات كثيرة، ولابد من التكيف مع ظروف مختلفة، خصوصا، أن الهدف النهائي، صيانة مصالح هذه المنطقة، عموما، وصيانة مصالح اهلها، وهذا كان يفرض قدراً كبيراً من الحكمة والتعقل وتفهم معادلات العالم وتناقضاتها وصداماتها أحياناً.

يعد الأمير سعود الفيصل عميد وزراء الخارجية العرب، فهو من اقدمهم، ولم يترك موقعه الا مؤخرا، والأغلب ان بصماته على السياسة السعودية والخليجية والعربية عموما ستبقى حاضرة، اذ تمكن من البقاء في موقع حيوي وحساس اربعين عاما، وموقع وزارة الخارجية بحاجة إلى شخصيات مختلفة، لأنها تتعامل مع نظراء غربيين وأجانب، ولابد ان تفهم اسرار الذهنية التي تحكم دول العالم، فالأمير هنا، أبحر في بحار السياسة الخارجية، لسمات شخصية تحالفت ربما مع قوة المملكة، واعتبارها ركناً يمانياً في السياسة العربية والإسلامية.

ترجل فارس عربي، من الشخصيات المعدودة عربيا، باعتبارها لافتة للانتباه عربياً وإسلامياً ودولياً، فهو شخصية مهمة حقا، اطلت على اسرار السياسة العربية على مدى عقود، وبقيت لديه القدرة على ادارة مصالح بلاده ومصالح المنطقة باقتدار عز نظيره، خصوصا، وقد اتصف بالذكاء والدهاء والحنكة، والقدرة على العبور وسط غوامض العمل السياسي العربي بكل تعقيداته، وسط معادلة كان لابد من الموازنة فيها، بين مصالح المنطقة، ومتطلبات العالم من هذه المنطقة، وأطماع الإقليم، وتلك التهديدات الظاهرة والخفية على حد سواء.

هي خسارة دولية، كما انها خسارة للعرب والمسلمين، في زمن نحن احوج ما نكون فيه، إلى شخصيات كبيرة جامعة، ذات حضور يتجاوز الإطار المحلي، نحو بصمة عربية وإسلامية ودولية، وبرحيله يتدفق الحزن، والرجاء إلى الله، بأن يبقى في اصلاب هذه الأمة، رجال لديهم القدرة على صياغة اللحظة، وتجنيب الأمة هذه المحن، رجال من طراز الأمير الراحل الذي عاش بقلب لا يحمل الحقد في عمله السياسي فارتفعت به الرتب.

Email