الكويت والسعودية.. مَنْ المستهدف؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما من الفترات النادرة في تاريخ المنطقة، هذا الوضع الذي يعيشه العالم العربي الآن. تفجير مساجد أثناء الصلاة، واستقطاب طائفي بشع، ومنظمات إرهابية تتلبس باسم الإسلام، وتتمدد لتصبح في حجم دولة، وتمارس كل أنواع الإرهاب والقتل والتعذيب، دول عربية تتحول إلى دول فاشلة. والإرهاب الأصولي يضرب في كل مكان. وفي يوم واحد في ثلاث قارات مختلفة، الكويت وتونس وفرنسا. مشهد مأساوي وغريب. والكل يتساءل، وماذا بعد؟!

مفهوم الدول الوطنية في المنطقة العربية ضعيف، لأن تركيبته هشة، وبالتالي، مفهوم المواطنة نفسه مهزوز. بعض النظم العربية التي قامت بعد الاستقلال، لم تنجح في خلق مفهوم المواطنة، وأوجدت بهرجة لهرم الدولة من الأعلى، بينما تناست ما هو تحت ذلك. مفهوم الولاء للزعيم أو الحزب، حل مكان المواطنة في بعض الدول، وأصبح الفرد رقماً ضمن المجموع. واعتقدت هذه القيادات، أن تضخيم هالة الزعيم والاهتمام بالهاجس الأمني، هو الوسيلة الأضمن لاستمرارية النظام.

كل التفاعلات التي كانت تحدث في عمق المجتمع، كانت تغلف بشكل مختلف. ساهم الأعلام كجزء مستتر من السلطة في مشروع ترسيخ الحكم وتأليه الزعيم. الغرب من جهته، تعامل مع هذا الواقع بشكل انتهازي، الغاية تبرر الوسيلة، المصالح كانت تعمي البصيرة، ويتم تجاهل الواقع، والتغاضي عن الخروقات والفساد، فالقضية مصلحة تتحقق أياً كانت النتائج. وحتى فزاعة حقوق الإنسان، كانت تستخدم كورقة سياسية عند الحاجة. وهكذا، حينما سقطت هذه الأنظمة، وجدنا العراق قابلاً للقسمة على ثلاثة، وسوريا إلى كانتونات، وليبيا إلى شرق وغرب، واليمن تحول إلى فضاء استباحته قوى إقليمية بالوكالة، وزعيم مخلوع لم يكتف بتاريخه الملوث، ليعود بشهوة السلطة يمارس دور حاوي الأفاعي.

خارطة مهترئة وكاذبة، أفرزت صديدها، فكانت التركيبة الداخلية ضعيفة، ومستوى التعليم بسيطاً، والانتماء للوطن ضائعاً. ولذلك، كان من السهولة للمنظمات الإرهابية أن تجد لها مكاناً سهلاً، وأن تستقطب الكثيرين، لأنهم استطاعوا أن يبيعوا الوهم، ووجدوا من لديه استعداد أن يشتريه. ساعدهم في ذلك حالة اليأس والفقر وفقدان الأمل. هذه الدول التي ضيعت مقدراتها في حروب استعراضية وبطولات ورقية.

دول الخليج في الجانب الآخر، تعيش وضعاً مختلفاً، فقد حباها الله بثروة نفطية هائلة، واستقرار سياسي. ورغم وجود الشيعة ضمن النسيج الاجتماعي في الخليج منذ سنين بعيدة، إلا أنهم كانوا جميعاً يمثلون الوطن الواحد، كلحمة متماسكة وراسخة. ولذلك، كانت محاولة التنظيم الإرهابي داعش، هو ضرب هذه اللحمة الوطنية وإشعال حرب طائفية داخلية. باعتبار أن هذه الوسيلة هي الأسهل لتحطيم الكيانات من الداخل.

وقد استطاعت المجتمعات الخليجية بشكل عام، وفي حالتي السعودية والكويت بشكل خاص، بعد التفجيرات الإرهابية، أن تحبط مخططات الإرهابيين، وأن تقدم صورة رائعة لوحدة وطنية راسخة. وكان الجميع، سواء سنة أو شيعة، انتماؤهم للوطن، أي قدموا صورة للمواطنة التي يستظل تحتها الجميع. بل شهدت جنازات الشهداء وسرادقات العزاء، توحداً وطنياً صادقاً. ويظل السؤال المحير، لماذا يتم التغرير بصغار السن، ويتم استقطابهم لتنفيذ هذه العمليات الإرهابية. وهو سؤال لا يجب أن تكون إجابته تجفيف منابع الفكر فحسب. بل النظر في التركيبة الاجتماعية وأسلوب حياة الأشخاص، لبناء شباب واثق من نفسه ومحصن من الانحراف والاستقطاب؟!.

من المهم بناء الشباب وإعادة النظر في الإطار الذي يعيش فيه. التغيير في العالم والثورة المعلوماتية، فرضت متغيرات جديدة، تلغي مسألة المقارنة مع أجيال سابقة، وترديدها أنها كانت تعيش في نفس الإطار، ولم تصبح سهلة الانقياد للإرهاب. المعطيات اختلفت، والبيئة تبدلت.

المجتمعات النابهة هي التي تراجع نفسها من وقت لآخر، وتمارس النقد الذاتي، وتسعى لمعالجة عيوبها. ويعتبر التوجه لتطوير التعليم وتشجيع الابتعاث، مدخلاً مهماً لتطوير فكر الأجيال الجديدة. ومن المهم تطوير شخصية الشاب، لكي يمتلك الثقة في نفسه. فتشجيع الفنون وبناء الهوايات وتعميق الثقافة والحوار، كلها تسهم في تطوير شخصية الفرد. الشخصية الواثقة هي السد المنيع لمحاولات الاستقطاب.

الدول الخليجية مستهدفة، وهي تتميز بأنها تملك قواسم مشتركة كثيرة بينها. وتوحد هذه الدول وتحركها ككتلة واحدة، يمنحها قوة وصوتاً مسموعاً في المحافل الدولية. وفي الداخل، هناك استحقاقات مهمة، تتطلب قرارات حاسمة. الأحداث التي وقعت كانت كارثة، ولكنها أيضاً رسالة للجميع لكي نتنبه لتوجهات أبنائنا ومسار تربيتهم وتفكيرهم. وهذا يتطلب إعادة نظر في واقعنا، ومناقشة مسلمات موجودة بشفافية ووضوح. أي ببساطة، من الصعب حل المشكلة، كما قال أينشتاين، بنفس الطريقة التي ابتكرت تلك المشكلة. وهذا يتطلب البداية من أسفل الهرم.

Email