وماذا بعد؟ سؤال 1‪000‬ إعلامي في واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجوه قلقة وعبارات ترقب وتساؤلات حول مستقبل الإعلام تلمسها في قاعات فندق هيلتون واشنطن، الذي عقد فيه الأسبوع الماضي مؤتمر «وان افرا» العالمي، وهي أكبر منظمة صحافية في العالم تهتم بصناعة ومتغيرات الإعلام. ثلاثة أيام كان السؤال وماذا بعد هو القاسم المشترك في جلسات هذا المؤتمر المهم. وكانت هناك مفاجآت للأرقام الجديدة في صناعة الاعلام.

فللمرة الأولى، يتجاوز الدخل العالمي للصحف من التوزيع والاشتراكات دخل الإعلان. فحين بلغت المبيعات والاشتراكات في النسخة الورقية والإلكترونية 92 مليار دولار، كان الدخل الإعلاني للورقي والالكتروني 87 مليار دولار وذلك في عام 2014.

وهو مؤشر مهم يعكس التوجهات الجديدة، خاصة بعد توجه كثير من الصحف العالمية لفرض رسوم على مواقعها الإلكترونية، وهي السياسة التي أثارت شكوكاً في البداية، ولكن نجاحها مع صحف عالمية بطرق مختلفة مثل جريدة «التايمز» و«الفاينشال تايمز» في بريطانيا وكذلك مع «وول ستريت جورنال» وصحفية «نيويورك تايمز» في الولايات المتحدة شجع كثيرين لاقتباس نفس طريقة العمل وتطبيقها.

وكان واضحاً أن السؤال الذي يشغل الجميع: ما هو مستقبل المؤسسات الصحافية؟ ولذلك حرص المنظمون على حضور متحدثين من صلب التجربة مثل رئيس مجلس إدارة جريدة «نيويورك تايمز» ارثر سلزبجر، الذي أثار الإعجاب بتقديم تجربة ناجحة واتخاذ قرارات صعبة في تحويل طريقة الأعمال في الصحيفة، وإيجاد مصادر دخل جديدة. وكشف أن الصحيفة طبقت خلال العام المنصرم كل الاقتراحات التي وضعتها في تقريرها عند بداية العام. وقال: إننا رسخنا مفهوم التجربة واعتبرنا هذا أسلوب عمل وليس اجتهاداً.

ومن الواضح أن الصحيفة اتبعت تفكيرا جديدا في طريقة عملها، إذ أوجدت ثلاث مجموعات: نمو الجمهور، إحصائيات غرفة الأخبار، واستراتيجية غرفة الأخبار. بحيث كان الجمهور هو لب صناعة المحتوى وتوصيله بمختلف الوسائط للجمهور، وكانت النتائج أن عدد الزوار للموقع زادوا بنسبة 28 في المئة، وعلى أجهزة الهاتف المتنقل زاد عدد المتابعين خمسين في المئة، وحققت المؤسسة نموا في الأرباح.

ولم تكن تجربة «نيويورك تايمز» هي الوحيدة التي أثارت الإعجاب، فهناك «يو.اس.ايه. تودي» التي قال رئيسها وناشرها لاري كرامر إن مجموعته توجهت بشكل مخالف للانكماش، واستثمرت أكثر في المحتوى لأنهم لاحظوا أن هناك رغبة عند الجمهور للمحتوى الجيد، ولذلك راهنوا على تعزيز المحتوى والتركيز على النوعية، وانعكس ذلك على الارقام بربحية أعلى، سواء على مستوى الصحفية أو على مستوى الواحد والثمانين صحيفة محلية في الولايات المتحدة.

واتفق متحدثون أن الفضاء الالكتروني مليء بالأخبار والتقارير، ولكن هذه الفوضى أعادت الأهمية الى الصحيفة، لأن الفرد أصبح شبه ضائع بين زحمة هذه الاخبار وتحليلها، والربط بين الأحداث ومصداقيتها، وهنا يكون دور الصحافي. فمهمته الاجابة عن الاسئلة الاساسية في الصحافة في التحليل والبحث عن الاسباب والربط في النتائج. كما أن الصحافي هو «الفلتر» الذي يعطي للمتلقي الاخبار الأهم وذات العلاقة، وهذا ما يجعل أي صحفية لديها فرصة بأن تعلب الدور الأهم في صناعة المحتوى أو اختيار المحتوى المناسب. فهي ليست ببغاء يردد ما ينشر في الفضاء الالكتروني، بل إنها تمتلك القيم والرسالة التي تجعل من مهمتها عنصر قوة لها.

والسؤال المهم: ما هو دور المؤسسات الإعلامية العربية في مواجهتها للتحديات الجديدة، فالتغيير في صناعة الاعلام متسارع، بينما الإيقاع في المؤسسات الاعلامية لايزا بطيئاً وغير مدرك لحجم التحدياث. ففي هذا المؤتمر الضخم، الذي حضره نحو ألف صحافي وناشر من قارات العالم، لاحظت أن عدد العرب المشاركين فقط ثلاثة أشخاص. ومن المهم للمؤسسات الإعلامية التعرف على تجارب الآخرين، والاستفادة من القصص الناجحة، خاصة أنها تأتي من مؤسسات تعرضت لتجارب فشل وصعوبات، ومن ثم صنعت نقطة التحول وحققت نجاحات جيدة‪.‬

التغيير قادم وصناعة الاعلام لن تعود كما كانت. والقضية مسألة وقت. ودائما للمبادرة بالحل على الشخص أو المؤسسة اولا الاعتراف بالمشكلة، ثم وضع استراتيجية جديدة تكون واقعية وتستفيد من تجارب الآخرين للتعامل مع المستقبل، ثم الإقرار بصناعة صحافة جديدة ليست التي نراها اليوم. أي باختصار التغيير وارد لكن السؤال كيف يكون التغيير؟

الخيار الذي تم التركيز عليه هو الدمج بين التكنولوجيا والاعلام. ولذلك تتجه المؤسسات الاعلامية الى تعيين مبرمجين للعمل مع الصحافيين في نفس صالة التحرير وللخروج بأفكار جديدة. ويبدو أن هناك ست وسائل تستطيع المؤسسات الاعلامية التركيز عليها لتحقيق النجاح والربحية.

ويأتي في المقام الأول الهواتف الجوالة فهي المستقبل وتنمو بأرقام هائلة، والفيديو الذي يتوقع البعض أن يمثل وحده قريبا خمسين في المئة من المحتوى، والإعلان المحلي بحيث تكون الوسيلة الأقوى في الوصول. و«البروجرماتيك» أي الإعلان المبرمج، وهو أسلوب جديد في بيع الاعلان بطريقة البرمجة عن طريق المزايدة في نفس اللحظة. والبيانات «الداتا»، وهي ثروة تملكها المؤسسات الصحافية من خلال علاقتها مع الجمهور ممكن ان تستثمرها في ترجمتها الى مواضيع صحافية تعتمد على «الانفوغرافيك»، أو في الدراسات لاسثتمارها في الابحاث لأطراف ثالثة.

وأخيرا إقامة المؤتمرات والمناسبات والتجارة الإلكترونية، وهما اللتان بدأت كثير من المؤسسات تعتمد عليهما في الدخل الاساسي للمجموعة، بل وهناك مجموعات صحافية أصبحت تعتمد أكثر عليها في الدخل من الوسائل التقليدية.

ايقاع سريع ومتغيرات متلاحقة في صناعة الإعلام. وهذا يتطلب ذهنية جديدة للتعامل مع المتغيرات. وربما دول العالم الثالث محظوظة هذه المرة، لكونها تستطيع أن ترى المستقبل من خلال مراقبتها للمؤسسات الصحافية في الدول المتقدمة ذات الانتشار العالي في الانترنت والصعوبات التي مرت بها والحلول التي اتخذتها، ومن ثم عليها العودة إلى واقعها وتجهيز بيتها من الداخل لهذا المستقبل.

Email