الشرنقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرحلة مبكرة في حياة الفراشات، تحدث فيها تغييرات كثيرة وسريعة، وبعدها تخرج كائناً مكتمل النمو والعطاء، وهكذا هي مرحلة المراهقة شرنقة عمرية، ينسلخ فيها الفرد من براءة الطفولة ليدخل في عنفوان الشباب، وينطلق إلى عالم النضوج والبناء.

لنعد سنوات إلى الوراء ونسأل: هل كانت المراهقة موجودة أم هي المدنية الحديثة بتحدياتها التي أوجدت هذه المرحلة؟ كان الفتى يلزم والده في الغوص أو التجارة، وكانت الفتاة تلزم والدتها، وفي الغالب، تتكون الأسرة في سن مبكرة، فلا يوجد للفتى والفتاة وقت لكي يرهقوا من حولهم. لكن، مع تطور الزمان، زادت الفجوة بين الطفولة والمسؤولية، وتكونت مرحلة الشرنقة في حياة الفرد.

تتميز مرحلة المراهقة بتحديات عدة.. فمن من الناحية النفسية والسلوكية، يعاني المراهق من وجود عدة صراعات داخلية، ومنها صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة، بين طموحات المراهق الزائدة، وبين تقصيره الواضح في التزاماته، بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية..

والصراع الفكري بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير، وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه، بما له من آراء وأفكار، وبين الجيل السابق.

وكذلك يشكو المراهق من أن والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين، كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، فتزداد حدة الصراع لديه، وبالتالي، قد يصرخ، يشتم، يسرق، يركل الصغار، ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات، يجادل في أمور تافهة، يتورط في المشاكل، يخرق حق الاستئذان، ولا يهتم بمشاعر غيره، كنتيجة لضبابية المشاعر التي يعيشها المراهق.

أما من الناحية الصحية، وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، فإن بداية ثلث إجمالي التحديات المتعلقة بالمعضلات الصحية والسلوكية لدى سكان الأرض، تبدأ من سن المراهقة، وتشمل التدخين، ونقص النشاط البدني والممارسات الجنسية الخاطئة والتعرض للعنف. والكثير من الأولاد والبنات في البلاد النامية، يبلغون مرحلة الشباب ولديهم إما سوء في التغذية، أو بالعكس، يعانون من البدانة وفرط الوزن.

لكن، لنترك النصف الفارغ من الكأس. في مرحلة المراهقة، تختلط صفات الطفولة والشباب، لتشكل كائناً مرهف الحس، ذا قدرة كبيرة على العطاء، لكن بشرط التعامل معه بذكاء، واستخدام اثنين من الأدوات المهمة لذلك: الصداقة والحب. وهنا أذكر مثالاً واقعياً.

انظر إلى علاقة المراهق بكبار السن، ستجد انسجاماً عجيباً، وصداقة عميقة بين الجد وحفيده. فالصداقة تقوم بترويض المراهق، وتكسر حواجز الخوف لديه. والحب بدوره يشعره بالأمان والراحة. والنتيجة طاقات إيجابية وعلاقة أسرية عميقة.

من الإيجابيات الأخرى، شغف المراهق في تجربة كل ما هو جديد. سيقول قائل، لكن هناك خطورة، خصوصاً مع السلوكيات الخطرة، لكن لو ربطنا وجود علاقة صداقة قوية بين الوالدين والمراهق، مع هذا الشغف، سنستطيع معرفة ميول المراهق وموهبته، وبالتالي، تنمية الموهبة والاستثمار فيها، لكي نصل إلى شباب إيجابي ومبدع.

وللصداقة الممزوجة بالحب دور السحر في تعزيز الممارسات الصحية السليمة لدى المراهق. هنا، أود التركيز على موضوع يخجل الكثير من الوالدين في الحديث عنه مع فلذات أكبادهم، وهو موضوع الثقافة الجنسية. لنكن واقعيين..
 فالحياة الذكية التي نعيشها، تحتوي على تحديات تجعل من المراهق أداة استقبال للزين والشين، وعلى قول المثل «الممنوع مرغوب»، لن يفيد أسلوب المنع أبداً، والمراهق على كل حال سيتعلم أمور الجنس من أصدقائه، وقد يدخل في سلوكيات محرمة. أما لو استخدم الوالدان أسلوب الصداقة والحوار في إيصال المعلومة، واختيار الكلمات الراقية، فسيساعد ذلك في تحصين المراهق وحمايته من الوقوع في وحل القذارة.

مرحلة هادئة مثيرة، عنيفة رقيقة، سريعة بطيئة.. وشتان بين شرنقة الفراشة وشرنقة الإنسان!

Email