خليجنا آمن بوحدتنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأحداث الأخيرة التي عصفت بمنطقة الخليج العربي كان لها انعكاسان بارزان يؤشران إلى مستقبل جديد للمنطقة العربية ودول مجلس التعاون على وجه الخصوص، أحدهما أن منطقتنا لم تعد بمنأى عن أطماع المغرضين من أصحاب الدعوات الطائفية أو التفتيتية، إن جاز التعبير، الذين يعبثون باستقرار الدول والشعوب خدمة لأجندات خارجية مرسومة بدقة لا يهمها سوى شيوع الاضطراب في دولنا وخلخلة النسيج بين الشعوب العربية واللعب على أوتار طائفية بالية نشاز لا تزيد المنطقة إلا ضجيجاً كريهاً ولا تخدم أي خطط تنموية أو حضارية أو تطويرية.

أما الانعكاس الآخر لهذه الأحداث وهو لا يقل أهمية البتة عن الأول وهو أن دول مجلس التعاون كانت على قدر المسؤولية التاريخية واستطاعت تولّي زمام المبادرة وتوحيد الجهود والصفوف وقطع الطريق على أي محاولة لتمزيق الموقف الخليجي، منطلقة من رؤية واضحة مخلصة لدى قيادات دول مجلس التعاون، تقدر الأمور بقدرها وتعرف مآلات المواقف وتدرك ضرورة البناء الخليجي المشترك القادر على رد أخطار الحاضر ومنع تسلل توجسات المستقبل.

بهذه النظرة الواعية الناضجة أصبح العمل الخليجي اليوم، كما أكد ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله «يتجه إلى مزيد من التكامل والتنسيق وتوحيد الجهود، تعزيزاً لأمننا وحماية لمكتسبات شعوبنا..

فخليجنا واحد.. كان وسيبقى». لقد كان حسن الجوار وفتح الأبواب وقبول الآخر مبادئ أساسية في فلسفتنا العربية الخليجية التي نشأت عليها دولنا وحرصت على تكريسها ولا تزال متمسكة بها بلا شك، إلا أن هناك، مع الأسف، من قرأ حسن الجوار قراءة خاطئة تشي من منظوره بضعف الموقف أو تسوّل له العبث بطموحات الآخرين..

ورغباتهم الصادقة بالعيش الآمن المستقر الباحث عن المستقبل والتنمية وسعادة الشعوب، فأطلق أصابعه تعبث هنا وهناك ظناً منه أن الأمر سهل المنال وصده والوقوف في وجهه صعب المراد، فكان الموقف الخليجي الذي فرق بدقة بين حق الجار على جاره وصيانته وحفظه، وبين سيادة الدول المقدّسة التي لا يسمح لكائن من كان أن يعبث بها.

إن صيانة أمن واستقرار دول الخليج العربية لم تكن في يوم من الأيام مصلحة فردية متشعّبة يمكن تجزئتها أو توزيع حصصها بين الدول، بل هي على الدوام وستبقى كذلك مصلحة مشتركة تحتّم على جميع الدول تضافر الجهود وتنسيق المواقف في مواجهة مختلف التحدّيات الأمنية وتداعياتها.

قبل أيام اختتم وكلاء وزارات الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعاً لهم بحضور الإمارات بالمصادقة على الاتفاقية الأمنية الخليجية واعتماد الدراسات في ما يخص إنشاء الشرطة الموحدة، التي سيكون مقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، وسط دعوات إلى إنشاء قوة بحرية مشتركة وذلك ضمن جملة خطوات مباركة تعمل على تنسيق المواقف والسياسات والخطط الدفاعية لدولنا تجاه كل خطر وطارئ وفق منظورنا الخليجي المشترك.

نعم هي خطوة تباركها الشعوب وتقف من ورائها لأنها تحرس دولنا ومستقبل أبنائنا، وتصون بأيدٍ من حديد جميع مكتسباتنا التي بنيناها بأيادي الإخلاص والعمل الدؤوب، وتقول لكل من أراد أن يسمع أو يعقل إن ثمار نهضتنا عزيزة علينا، ومستقبلنا الخليجي ومن ورائه العربي أمانة في أعناقنا، لن نقبل فيه المساومة أو العبث..

ولن نترك للتاريخ أن يقف ناظراً إلى حالنا ليقول متهكّماً لقد أُكلت هذه الشعوب «يوم أكل الثور الأبيض» بل سيقول مفتخراً بإذن الله تعالى: نِعْم الشعوب التي جعلت دستورها قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

 

Email