ماذا يعني أن تكون شاباً؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثلاث مرات توقفت أمام كلمة: الشباب.

المرة الأولى في فبراير 1968. وكنت في الرابعة والعشرين من عمري.

والمرة الثانية في يناير 1977. وكنت في الثالثة والثلاثين.

والمرة الثالثة - ولا أتمنى أن تكون الأخيرة - في يناير 2011. وكنت في السابعة والستين .

أكتب عن المرة الأولى والثانية فقط، لأن الثالثة ما زالت ممتدة.

في المرة الأولى كانت ثورة الشباب المصري. رداً على أحكام الطيران التي صدرت في أعقاب نكسة الخامس من يونيو 1967. وكان الهدف الأول منها رفض تلك الأحكام التي رأى الشباب أنها هيِّنة ليِّنة لا تتناسب مع حجم الكارثة التي حدثت في يونيو.

لكن حركة الشباب المصري أصبحت جزءاً من حركة الشباب على مستوى العالم. الثورة التي هزت الدنيا بكل ما فيها ومن فيها. لدرجة أنني مازلت أذكر أن عدداً خاصاً صدر من مجلة الطليعة التي كانت تصدرها مؤسسة الأهرام وكان عنوانه الرئيس: شباب 68 يهز العالم.

كان مركز تحرك شباب 1968 باريس. وكان الزمان مارس من ذلك العام. وكان هناك أساس أيدولوجي لتحرّكهم ألا وهو تغيير العالم إلى الأفضل. وتصدرت ثورتهم أسماء مهمة أذكر منها جان بول سارتر في باريس وبرتراند راسل في لندن. وقد غيرت تلك الحركة الكثير من معطيات الدنيا وخلقت واقعاً جديداً ومفردات طارئة.

يومها كان موقف عبد الناصر شديد الوضوح من حركة الشباب. اتصل بشعراوي جمعة، وزير الداخلية ـ كما حكى لى الأستاذ هيكل فيما بعد ـ وقال له: لو أطلقت رصاصة واحدة وسقط شهيد واحد نكون قد فقدنا شرعيتنا تماماً ونذهب إلى منازلنا. وعندما وصل المتظاهرون إلى جريدة الأهرام في مبناها الجديد بشارع الجلاء وكان هيكل موجوداً بمكتبه. اتصل به عبد الناصر وطلب منه النزول للمتظاهرين والكلام معهم والاستماع لهم أو أن يصعدوا إلى مكتبه ويجري حواراً مهم. كانت الدولة المصرية، دولة عبد الناصر قبل المجتمع وبعده. مجتمع جمال عبد الناصر في أمس الحاجة للشباب. وهو ما فعله هيكل.

لم يكتف عبد الناصر بالحفاظ على حياة المتظاهرين، لكنه استدعى إلى مكتبه قياداتهم وقابلهم واستمع إليهم. وعندما وجهوا له الدعوة لزيارة الجامعة لباها وألقى خطاباً طويلاً، وتبلورت تلك المناقشات في صدور بيان 30 مارس الذي احتوى على جميع الإصلاحات التي نفذها الرئيس السادات في منتصف سبعينات القرن الماضي.

من الأسماء التي طرحتها مظاهرات تلك الأيام. كان د.عبد الحميد حسن الذي أصبح أميناً للشباب في الاتحاد الاشتراكي العربي. وانتهى به المطاف محافظاً للجيزة. في ثمانينات القرن الماضي. ولأن التغييرات التي جرت في بر مصر كانت مخيفة. فالشباب المتظاهرون الذين أوصلتهم المظاهرات للقاء عبد الناصر والحديث مع هيكل أصبحوا فيما بعد من رموز المجتمع، بعضهم حافظ على وهج ناصريته والبعض الآخر كانت الناصرية مجرد معبر إلى ما بعد الشباب. وتلك حركة التاريخ.

في يناير 1977 كلنا نعرف أن الانتفاضة كان سببها الرفع المفاجئ لأسعار عدد من السلع الأساسية في مصر. وأيضاً النشر عن هذه الأسعار في الصحف اليومية السيارة بشكل بارز. خصوصاً جريدة الأهرام. لكن انتفاضة الخبز كما أطلق عليها علماء الاجتماع السياسي والمؤرخون أو انتفاضة الحرامية كما سماها السادات.

أفرزت عدداً من القيادات الشابة التي تحاورت مع الرئيس السادات وذهبت إلى القصر الجمهوري. وذهب السادات كرد على الزيارة إلى جامعة القاهرة. وعندما حاول بعض الشباب التجاوز في الكلام مع الرئيس السادات. وكانت الجلسة مذاعة على الهواء في التليفزيون. انزعج السادات وشخط في الشاب شخطة جزء منها تمثيلي. يطلب منه الجلوس والصمت لأنه يكلم كبير العائلة المصرية.

كان هذا الشاب هو حمدين صباحي. الذي ما زال يتظاهر ووقف في ميدان التحرير في يناير 2011 بصفة جديدة. باعتباره مؤسساً لحزب جديد هو حزب الكرامة "تحت التأسيس" ورئيس تحرير جريدة هي جريدة الكرامة. ومسؤول مصري من مسؤولي قيادة الرأي العام. تقدم به السن فعلاً. لكنه ما زال يحتمي بالشباب. يرفع رأسه بينهم ويتحدث معهم.

مع أن الشباب الذين خرج من بينهم الآن يقتربون من الستين من العمر كانوا عيّنة فريدة من الشباب. جاءوا لمصر بعد السادس من أكتوبر. وقبيل الانفتاح الاقتصادي الذي قلب سلم القيم المصري انقلاباً لم يحدث. هذا لم يجر بين يوم وليلة. لكنها عملية بطيئة بدأت من 1974 واستمرت حتى أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ووصلت لأعلى موجاتها بالخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013. والتي تحل ذكراها بعد أيام طالت أم قصرت.

 

 

Email