النافذة السحرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل المسرح إلى حياة العرب الثقافية مع نهاية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ليكون فناً له امتداداته في حياتهم وأدبهم، متأثرين بذلك بالمسرح الغربي. وليكون بالإضافة إلى كونه فناً يُؤَدَّى على خشبة المسرح ، يُبهر الناس ويُدهش النظّارة، وإلى ذلك أصبحت المسرحيات جُزءاً من التراث الأدبي والفني في حياتنا الفكرية المعاصرة يدرسها الطلاب جزءاً من مناهج الأدب العربي الحديث.

ومع نهاية القرن التاسع عشر كانت تجربة الفرنسيين الأخوين لومبير قد شَقّت طريقها لتقدم أول عرض سينمائي في باريس عام 1895، وفي العام ذاته كان هناك أول عرض سينمائي في الإسكندرية وعرض آخر في تونس. إذن فالسينما دخلت الوطن العربي منذ اختراعها، وبدأت صناعة السينما في الوطن العربي مبكرة جداً في الوطن العربي رافقت الصناعات السينمائية العريقة في دول الغرب. إذ أدخل الأخوان "لاما" وهما مهاجران من أصل فلسطيني السينما إلى مصر.

وتطورت صناعة السينما في مصر بدعم من الاقتصادي الكبير محمد فريد، ولكنها ظلت فنّاً يعيش على هامش الثقافة العربية. وحينما أضحت السينما وسيلة اتصال جماهيرية لها مكانتها المرموقة باعتبارها فناً من الفنون البصرية الممتعة ظلت فنّاً هامشياً في ثقافتنا تقترب في دورها من صندوق العجب المسلّي الذي كان يشاهد المتفرجون فيه تصاوير أبي زيد الهلالي، وعنترة والمغامرات الأخرى لأبطال الأساطير العربية. وبينما أخذ الفنانون دورهم المتميز في الحياة الغربية، كان يُنظَر إلى الفنان العربي الذي نشاهده في السينما باعتباره بطلاً، ولكنه في الوقت ذاته- شخص لا تحظى وظيفته بالاحترام المناسب.

ولم تصبح السينما جزءاً من الثقافة التعليمية في مدارسنا أو جامعاتنا، وتأخر الوقت الذي فيه أخذت السينما اعترافاً أكاديمياً في الوطن العربي إذ بدأ تدريس السينما وتقنياتها في وقت متأخر بعد منتصف القرن العشرين.

وحينما أخذ التلفزيون في الانتشار بعد الحرب العالمية الثانية في أميركا وأوروبا، لم يلبث أن أخذ في الانتشار في البلاد العربية خلال بضع سنين. وعلى الرغم من انتشار التلفزيون في الوطن العربي جماهيرياً في السبعينات من القرن العشرين، إلا أنه بقي على هامش الفنون ولم يتم تدريسه كما يدرّس فن المسرحية أو فن الشعر أو فن الرسم أو الرياضة.

لقد تابع التلفزيون دوره باعتباره صندوق العجب الذي يمتلك نافذة سحرية قادرة على جذب الناس إليه، كل الناس شيباً وشباباً وأطفالاً، ليؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات كما لم تفعل ذلك من قبل أي وسيلة اتصالية أخرى.

وعلى الرغم من ذلك الدور المذهل للتلفزيون في حياة الشعوب، إلا أننا في وطننا العربي ما زلنا نعتبره ليس أكثر من وسيلة تسلية، تماما مثل صندوق العجب الذي ينادي صاحبه (اتفرج يا سلام .. على عجايب الزمان) وها نحن نتفرج، ويتلقى أطفالنا وشبابنا ما يقدمه إليه التلفزيون من دون مشاركة، ومن دون أن نمتلك الحس النقدي للمشاهدة، ومن دون أن تكون المشاهدة جزءاً من نشاط عائلي.

هل يمكن أن ننظر إلى التلفزيون وفقاً لفعاليته وتأثيراته نظرة أكثر جدية، وننظر إليه باعتباره فناً مثل الفنون الأخرى التي ندرسها في المدرسة؟، وهل يتاح لتلامذة المدارس فرصة تعليمهم ثقافة تلفزيونية يمتلكون معها الرؤية الناقدة، ويتعلمون معنى المشاهدة المشاركة التي تجعل من التلفزيون أكثر من صندوق عجب؟.

 

 

Email