من هنا تكون البداية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تتقدم الأمم إلا بعقول أبنائها. فالثروة البشرية هي التي تصنع التغيير وتقود مجتمعاتها إلى التنمية الشاملة والمستدامة. ومن الأمثلة الصارخة التي باتت نماذج تُحتذى لشعوب العالم الثالث تجارب سنغافورة وماليزيا وكوريا.

وكل من درس هذه التجارب يعرف أنها ابتدأت بنهضتها العلمية والصناعية بشعار يحلو لنا ترديده ولا نقوم بتطبيقه «الإنسان أولاً» وهذا ما ابتدأت به تلك الدول من خلال ثورة تعليمية تستهدف صنع إنسان جديد يتميز بالإبداع والتفكير الناقد والالتزام بالعمل وتحمل المسؤولية.

ومن هنا تكون البداية «الإنسان أولاً»، وهذا يحتاج منا ثورة في مجال التعليم في المدارس والجامعات التي يجب أن تأخذ في اعتبارها دمج ثقافتنا الأصيلة بمتطلبات العصر ومواكبته، وبإتاحة جو من الحرية الأكاديمية وغرس قيم الديمقراطية والمواطنة، ما يسهم في تشجيع البحث العلمي وإتاحة المجال أمام الإنسان بطرح التساؤلات والبحث عن أجوبتها، بما يقبله العقل، ما يسهم في خلق التفكير الناقد. وهذا سيقود إلى وجود المثقف الملتزم الذي يقوم بدوره في نشر وعي الجمهور ليكون جمهوراً مستنيراً يسهم بفاعلية في خدمة الوطن.

وليس هناك شك في أن احترام اللغة القومية واستخدامها كلغة تفكير ولغة علم، من أبجديات التقدم، ولنا في ذلك أمثلة عدة، وخصوصاً أن لغتنا العربية لديها القدرة على استيعاب العلم، ناهيك عن بعدها الروحي باعتبارها لغة القرآن الكريم. ويكفي أن نشير إلى أن الكيان الصهيوني أحيا اللغة العبرية لتكون لغة العلم والتعليم والبحث العلمي وهي لغة كادت تكون ميتة.

ومن المعروف أن للمؤسسات الأكاديمية أدواراً ثلاثة متكاملة هي العملية التعليمية والبحث العلمي والتفاعل مع المجتمع.

هذه الأدوار أساسية لنجاح العملية التعليمية / التربوية. ومن أجل إنجازها على المؤسسات الأكاديمية خلق مناخ فكري وبحثي مناسب، وذلك يتم عن طريق توفير مناخ حر للبحث والممارسة الفكرية.

وتوفير البنية التحتية والإمكانات المادية للبحث العلمي وتشجعيه. ودعم الباحثين وتدريبهم وتطوير مهاراتهم وخبراتهم البحثية.

وتوفير أقنية البحث العلمي مثل أقنية النشر العلمي وعقد المؤتمرات وغير ذلك. وربط البحث العلمي بحاجات المجتمع وخدمة الصناعات الوطنية. وهذا يعني أن تسهم الجامعة بشكل مباشر في دعم وتطوير عملية البحث العلمي والباحثين لتحقيق إنجاز بحث متميز.

التفكير العلمي والتفكير النقدي ممارستان تستلزمان القدرة على النقد الذاتي وتقبل النقد واستيعاب الرأي الآخر. والنقد الذاتي ضرورة ملحة من أجل التطوير. ولذا فإن النقد الذاتي يحتاج إلى تعزيز فضاءات الحرية لدى الأكاديمي أو المثقف، ما يجعله قادراً على تحمل مسؤولياته من دون أعباء تفرض عليه.

ولا شك أن البحث العلمي ذو صلة مباشرة بتوفير ظروف ملائمة للإبداع.

ولخروج الأمة من أزمتها فليس من سبيل سوى العمل الجماعي المؤسساتي القائم على الإحساس بمصلحة الأمة لا الأفراد، في مناخ حر ديمقراطي، يسوده روح المواطنة والتضحية في سبيل الوطن، والإيمان بالطاقات الكامنة لدى الشعب، لتجاوز المحن التي نمر بها مسلحين بعقيدة تمنحنا القوة والحافز لتحقيق أحلامنا في مستقبل مشرق لأمتنا.

وهذا يحتاج أن تتضافر الجهود من الحكومات ومشاركة وسائل الاتصال المستنيرة ومؤسسات المجتمع المدني لتوفير بيئة مجتمعية وعلمية توظف التكنولوجيا الأداة التي بها يستطيع الإنسان العربي تنفيذ إبداعاته ونشرها.

 

Email