الشباب وثقافة الكراهية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحرص كل الامم على تربية الاجيال الجديدة لأنها أمل الامة ومستقبلها كما تحرص كل أمة على إمداد شبابها بكل القيم والمبادئ المنبثقة من ثقافتها الفكرية والاجتماعية. وكشعوب مسلمة لا شك بأن ديننا الاسلامي الحنيف أوصانا مرارا بالتربية الصالحة لأن النشء هو تربة نزرع فيها ما نود حصده.

وفي بلدان الخليج خاصة هناك قيم بدوية منبثقة من ثقافة الصحراء نعلمها لأبنائنا بالإضافة الى الثقافة الدينية. فهناك ثقافة «السنع» والتي تقوم على الطاعة لولي الامر واحترام الاخر وعدم إيذائه والكرم والاحسان للضعيف والمحتاج.

هذه هي الثقافة التي تربت عليها الاجيال السابقة والتي من المفروض أن تورثها للأبناء والاحفاد من خلال تنشئة اجتماعية متعارف عليها.

من أين أتت إذا ثقافة الكراهية ونبذ الآخر والعنف والتكفير؟ هل هي من مستجدات الحياة المعاصرة التي بتنا نعيشها ونجد أنفسنا ندور في فلكها أم هي نتاج أمين لذلك التلاقح العصري بين الثقافات وذوبان الهويات الضعيفة في هوية اقوى وأكثر هيمنة؟ هل ثقافة الكراهية التي ولدت الارهاب والعنف هي من نتاج التنشئة الاجتماعية الضعيفة القائمة على الدلال والرفاهية وحصول النشء على كل ما يتمناه إما أن لها عوامل فكرية وسياسية واقتصادية عميقة وساهمت في دفعها للسطح عوامل اقوى؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهننا ونحن نحاول إيجاد المبررات لشباب عصري كل ما حوله يدفعه للانغماس في حياة الرفاهية والتلذذ في متع الحياة ومع ذلك تركها لصالح حياة قائمة على قساوة العيش والعنف وإيذاء الاخر والانخراط في تيارات فكرية جهادية عفا عليها الزمان.

في محاولتنا لتقصي الاسباب وربما لإيجاد المبررات التي تدفع شباب في عمر الزهور تربوا على نوعية معينة من الحياة السهلة والناعمة في هذا الطريق الوعر لا نستطيع الا وأن نعقد مقارنة بين هذا التيار في بلداننا وبين النازيين الجدد في المانيا. التشابه كبير.

النازيون الجدد شباب تربوا على الحياة الناعمة ولكنهم شاءوا أن يسلكوا مسلك النازيين ويتشبهوا بهم ليس لأنهم معجبون بأيديولوجية النازية ولكنهم وجدوا في النازية متنفسا للتعبير عن روح الكراهية للأجنبي الذي يعيش بينهم. وقد وجد بعض الشباب في هذا الطريق شكلا من اشكال التعبير عما يجول في صدورهم لأنهم غير قادرين على اختراع ايدلوجية خاصة بهم. وهكذا أصبح «النازيون الجدد» شكلا من اشكال العنصرية الجديدة في المانيا وأوروبا.

فهل ما يحدث بين شبابنا هو شكل من اشكال التعبير عما يجول في صدورهم من أفكار ورؤى غير قادرين على صياغة أطرها ووضع الضوابط الصحيحة لها؟ لاجتثاث الارهاب والعنف والتطرف بين الشباب لابد من تخليصهم أولا من ثقافة الكراهية التي تحولهم الى أداة سهلة تستغلها بعض التيارات الفكرية المتشددة وذات الاجندات السياسية الكبرى. ولتخليصهم من تلك الثقافة لا بد من معرفة الاسباب التي تقف وراءها. وقد يكون أهم هذه الاسباب ذوبان الهوية المحلية.

فعلماء الاجتماع والمهتمون حذروا منذ فترة طويلة من ضياع الهوية أو ذوبان الهويات المحلية في هوية قوية تهيمن على كل ما حولها. فمن الطبيعي أن تكون ردة الفعل عند الشباب هي الثورة على ذلك الوضع ومحاولة اثبات الذات عن طريق الانتماء لهوية قوية وفي هذا الحال لا يوجد أقوى من الهوية الدينية. سبب آخر نظنه له علاقة بما يحدث على الساحة ألا وهو التنشئة الاجتماعية القائمة على الدلال والترف وأنماط الحياة السهلة والناعمة والتي حرمت منها الاجيال القديمة وتريد تعويضها لأبنائها. هذا النوع من التنشئة لا يعطى دائما النتاج المؤكد وهو جيل مطيع ناعم غير قادر على اتخاد القرار.

فالتمرد سمة من سمات الشباب. والتمرد على القيود الاجتماعية وكل ما يمسها يغري الشباب على كسر القيود والانطلاق خارجها. وهذا يفسر انجذاب الشباب في الغرب للتفكير المتمرد الخارج عن نطاق السيطرة الاجتماعية وسيطرة الدولة وأولياء الامر ناهيك عن الانظمة التعليمية المترهلة والتي ساهمت على نشر الكثير من الافكار السلبية.

سبب مباشر ساهم الى حد كبير في تجذير ثقافة الكراهية بين الشباب ألا وهو العولمة والانفتاح على العالم والثورة المعلوماتية وذلك الانفتاح المعرفي الهائل كلها عوامل ساهمت في تدفق المعلومات بسهولة ويسر.

فبات اي فرد وفي أي مكان قادر على التواصل مع أي فكر وأي مجموعة دون رقابة اسرية أو رسمية. هذا التواصل ساهم في نشر الافكار والقيم الايجابية والسلبية ايضا وساهم في ترسيخ ثقافة الكراهية.

إن أجيالنا الجديدة سوف تكون في مواجهة تيارات فكرية سوف تعصف بهم إن لم نهيئهم جيدا لتلك المواجهة. فالمعارك الفكرية هي أشد أنواع المعارك ضراوة لأنها ليست معتمدة على الآلة العسكرية بل على الآلة الفكرية. فهل نهيئ شبابنا جيدا لتلك المواجهة؟

Email