تعاون عربي في وجه الأزمات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما تكون منطقتنا العربية أحوج ما تكون اليوم إلى رص الصفوف وتبادل الخبرات لمواجهة ما يحيق بها أو ما يدهمها من أزمات أو يراد لها من اضطرابات، وليس أقلها شيطان الإرهاب الذي يطل بقرونه بين الحين والآخر، ويضرب بسوطه الجهنمي تارة هنا وأخرى هناك في وطننا العربي، بل حتى في أرجاء أمتنا الإسلامية والعالم، ولتكتمل المأساة الملهاة، يتدثر هذا الشيطان في كثير من الأحيان بعباءة الإسلام.

إدارة الأزمات الطارئة تحتاج بلا أدنى شك إلى جلوس الحكماء من كل بلد لإيجاد أنجع السبل وأجدى الحلول للخروج منها بأقل الخسائر والعمل بدأب وحرص على تفادي مرورها عبر الأقطار العربية، والوقوف في وجهها صفاً واحداً، لأن أفضل تربة لنمو أرباب التخريب والإرهاب هو التفرد بكل بلد على حدة.

قبل أيام شاركت دولة الإمارات في أعمال اجتماع لكبار المسؤولين بالدول العربية في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لبحث إنشاء آلية عربية لمواجهة الأزمات، في ضوء ما تمر به المنطقة حالياً من نزاعات مسلحة وأزمات سياسية وإنسانية عابرة للحدود في عدد من الدول العربية تستدعي العمل على زيادة التعاون العربي في مواجهتها، وكما أكد المؤتمرون فإن الغاية منه بلورة آلية لإدارة الأزمات المختلفة تقوم على بناء القدرات وتبادل الخبرات والتدريبات.

عمل عربي مشكور بلا شك، إلا أنه يظل بجناح واحد، من وجهة نظري، عصياً على التحليق المطلوب ما لم يستعن بجناح آخر لا يقل أهمية أو ضرورة عن رديفه الأول، وهو أن يقوم بموازاة إدارة الأزمات وتدريب الكوادر العربية، تبني خطة عربية توعوية جماهيرية ترفع درجة الحس الشعبي بالتعاطي مع مثل هذه المواضيع الدقيقة، لا سيما المتعلقة منها .

كما قلنا بالجوانب الفكرية وتداعياتها الإرهابية، وذلك أن تجفيف المنابع الشعبية بالوعي والحكمة والموعظة الحسنة كفيل بالتقليل من خطر أمثال تلك الدعوات الهدامة، فالشعوب كانت ولاتزال على الدوام حاضنة الحضارة ومكانها وهدفها.

الوعي ثم الوعي هو الكفيل ببناء وعاء جماهيري قادر على هضم الأزمات، وتذليلها بحيث يمكن تجاوزها، كما أنه قادر على إقامة جدار حصين يحول دون استشراء ضرر الأخطار المحدقة، وصيانة المجتمعات من أي سرطان يهدد استقرارها.

ولعله يحسن بنا استذكار التحليل القيم لظاهرة «داعش» مثلاً، الذي قدمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في مقالته «داعش التي وحدت العالم»، وأبدى يومها تفاؤله بتداعيات الظاهرة أكثر من تشاؤمه، حين قال: «لست متشائماً بطبعي، بل أنا متفائل، متفائل لأن العالم بدأ يتوحد ويعمل بطريقة متناسقة لمواجهة هذا التحدي.

ومتفائل لأن قوة الأمل والرغبة بالاستقرار والازدهار عند الشعوب أكبر بكثير، وأقوى بكثير من هذا الفكر الخبيث، ومتفائل أيضاً لأن العالم مرّ عليه في تاريخه الحديث والقديم من هو أسوأ من داعش وأخواتها، وانتهى بهم الأمر في صفحات التاريخ السوداء».

والشاهد أن سموه أكد أن أولى خطوات مواجهة مثل هذا الخطر هي الفكر المستنير، فقال: «لا بد من مواجهة هذا الفكر الخبيث بفكر مستنير، منفتح، يقبل الآخر ويتعايش معه، فكر مستنير من ديننا الإسلامي الحنيف الصحيح الذي يدعو للسلام، ويحرم الدماء، ويحفظ الأعراض، ويعمر الأرض، ويوجه طاقات الإنسان لعمل الخير ولمساعدة أخيه الإنسان».

مرة أخرى، ما أحوجنا لتكاتف الجهود في مواجهة الأزمات، وما أشد احتياجنا للإيمان بالفكر طريقاً لدرء الكثير من هذه الأخطار وصيانة المجتمعات.

 

Email