محمد بن راشد.. مدرسة العطاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

مهرجان من العطاء والخير والتكافل عاشته دولة الإمارات هذه الأيام في ظل مبادرة «تراحموا» التي أطلقتها دولة الإمارات، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتسيير جسر جوي فوري، لنقل مواد الإغاثة العاجلة لمساعدة آلاف اللاجئين السوريين في عدد من الدول التي تتعرض للعواصف الثلجية والظروف المناخية الصعبة، إضافة إلى المتضررين في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية.

مهرجان إنساني بجدارة تولى رعايته ومتابعته صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، صاحب مدرسة العطاء الكبيرة المعروفة، واليد البيضاء المسارعة للخير، حيث قفزت في هذا المهرجان مشاعر العمل للآخرين لتعلو على مشاعر الأنا والشخصية، ولتقول للنفس إن من ورائك أصحاب حقوق أقل الواجب أن تشاطريهم آلامهم، وتقول للعالم إن أخوتنا ومشاعرنا لأشقائنا ماثلة أمامنا، نجسد كل يوم أعلى مفاهيم التراحم والتعاضد لأننا كالجسد الواحد.

الحديث عن العطاء يفسد في كثير من الأحيان رونق وألق العطاء، ونحن نعلم ذلك، ولكننا ننظر إلى جوهر العطاء بأنه منحة وهبة من الله تعالى لنا طبعت عليها نفوسنا، فنحن نتحدث بهذه النعم، إجلالاً لها لا منة على أحد، واحتفاءً بها لا انتقاصاً من أحد، فهي في أعيننا عطاء لنا، لأنها تزيد في معاني الإنسانية التي نؤمن بها، ونثق بشيوعها بين الشعوب، وهي في جوهرها ارتقاء في سلّم احترام الحياة، والرغبة في العيش بكرامة لا تحت قهر الطبيعة أو إذلال الإنسان.

نعمة العطاء والرحمة في هذا الزمن ربما تكون أندر من النادر، لا سيما ونحن نرى الكثيرين يتبرؤون من ثوبهم الإنساني ليسوموا الآخرين سوء العذاب تحت مزاعم كثيرة، بعضها باسم الدين، وأخرى باسم الحرية، وثالثة بأسماء مستعارة، تلتقي جميعها في مصب واحد، هو المزيد والمزيد من شقاء الإنسان.

حملة «تراحموا» التي فاقت في إنجازها الحد الذي رسم لها، أثبتت قيم الخير التي يعيش عليها كل من عاش على أرض إمارات الخير، مواطنين ومقيمين، وأنعشت في النفوس نوازع حب الإنسانية العارم، وثوابت الأخوة الصادقة، وجلبت التقدير والثناء الكبيرين من المنظمات الإنسانية المعنية بحقوق الإنسان، وكان منها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية الخليجية لحقوق الإنسان، داعية جميع الدول والمنظمات العالمية إلى تعزيز الجهود التي بدأتها دولة الإمارات.

ولا شك أن الوقوف في وجه العاصفة الثلجية القاسية التي هددت وما زالت تهدد أهلنا في الشام، واجب محتم علينا تفرضه الدماء الواحدة التي تسيل في عروقنا وعروقهم، فلا قيمة للراحة والدفء إذا كان أهلنا يعانون البرد والجوع، ولا طعم للحياة إذا كان صغارنا وأطفالنا في الشام يبحثون عنها في كسرة الخبز وحنو الغطاء.. هذه هي منطلقاتنا نحو العطاء.

تعلمنا هنا في أرض الخير أرض الإمارات المبادرة لغوث الآخرين، وتقديم ما نقدر على الجود به من دون النظر إلى التكاليف؛ لأننا نعلم أن هذه المبادئ تضرب بجذورها الخيرة عميقاً في صلب تربيتنا وتقاليدنا، وحملناها كابراً عن كابر حتى غدت علامة علينا وطبيعة فينا، وسمة يعرفنا بها القاصي والداني، والفضل أولاً قبل كل شيء لله عز وجل الذي منحنا الخير والرغبة في إنفاقه، ثم لقادة مربّين مخلصين وضعوا العطاء منهجاً ورسالة لدولتنا منذ قيام الاتحاد الميمون، وكانوا خير قدوة لنا، يسارعون في الخيرات من شرق الدنيا إلى غربها.

 

Email