سقوط آخر أوراق التوت الإسرائيلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشروع قانون الدولة القومية اليهودية العنصري، الذي يعزز الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، والذي صادقت الحكومة الإسرائيلية عليه مؤخراً بغالبية أربعة عشر وزيراً مقابل ستة وزراء صوّتوا ضده من الأحزاب الوسطية التي تقودها وزيرة العدل تسيبي ليفني، ووزير المالية يائير ليبيد، أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية، حيث إن هذا القانون سيغيّر تعريف إسرائيل في القوانين الأساسية الموجودة من أن «إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية»، إلى «إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي ذات نظام ديمقراطي»، ما يعني أن إسرائيل دولة ديمقراطية لليهود فقط، وليس لجميع سكانها الذين يحملون جنسيتها!

وهذه ديمقراطية منقوصة مشوّهة لم يسبق إسرائيل إليها أحد! ولا أعرف حتى هل يصح أن نطلق عليها اسم «ديمقراطية» من الأساس، حيث إن المساواة وعدم التفريق بحسب الدّين من ضمن الركائز الأساسية للديمقراطية، وهما هنا مفقودان، فأي ديمقراطية هذه التي تتحدّث عنها إسرائيل؟!

لقد عملت إسرائيل جاهدة على مدى ستة وستين عاماً، على ترويج نفسها أمام العالم على أنها دولة ديمقراطية، لكن مشروع قانون الدولة القومية اليهودية كشف زيف ادعاءاتها. صحيح أن إسرائيل، التي تدّعي أنها «ديمقراطية»، كانت تمارس تطرفها وتمييزها على الأرض ضد الفلسطينيين منذ فترة طويلة، لكن الجديد في الأمر أن مشروع القانون هذا سيمنح مثل هذه الممارسات العنصرية حماية دستورية وقانونية وطابعاً مؤسساتياً، وهنا يكمن الخطر الحقيقي.

وعلى الرغم من أن موضوع «إسرائيل دولة الشعب اليهودي» أثير سابقاً من قبل العديد من القادة الإسرائيليين، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتانياهو، استغله بشكل خبيث وضرب بالمصادقة على مشروع قانون الدولة القومية اليهودية، وما يتبعها من إجراءات تمريره في الكنيست الإسرائيلي، عصفورين بحجر واحد، فهو من جهة كسب تأييد اليمين المتطرف لضمان فوزه بولاية جديدة.

ومن جهة ثانية مهّد الطريق لطرح سلسلة من القوانين العنصرية الإقصائية الجديدة، أولها مشروع قانون يقضي بسحب الإقامة والحقوق الاجتماعية من منفذي العمليات ضد أهداف إسرائيلية وحتى عائلاتهم، وهو ما يؤكد أن منظومة القوانين الإسرائيلية تتجه إلى فرض نظام فصل عنصري جديد، وتقويض حقوق خُمس سكان إسرائيل، والسير في مخطط التمييز ضد فلسطينيي الداخل البالغ عددهم مليوناً و600 ألف (20% من السكان) وتهجيرهم من أرضهم، ولا سيّما من مدينة القدس.

وبالتالي فإن هذه المنظومة من القوانين العنصرية، التي باتت تجد تأييداً شعبياً كبيراً في إسرائيل، تؤكد أن المجتمع الإسرائيلي بات يتجه رويداً رويداً نحو اليمين أو حتى اليمين المتطرف، ضارباً بالقوانين والمعاهدات والمواثيق والانتقادات الدولية عرض الحائط بشكل رسمي.

لقد اعترف الفلسطينيون بإسرائيل عام 1993 بموجب اتفاقية السلام المؤقتة، لكن إقرار قانون الدولة اليهودية يعدّ إلغاءً إسرائيلياً أحادي الجانب لهذا الاعتراف، ومحاولة لانتزاع اعتراف جديد هو الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ما يعني ضمناً الاعتراف بالحق التاريخي المزعوم لليهود، والإقرار برواية إسرائيل للصراع، أي أن على الفلسطيني الذي سلبت أرضه وهجّر منها، أن يعترف بأن نكبته هي نتاج استرداد حق تاريخي لليهود امتلكه بغير وجه حق، وهو بالضبط ما يعنيه نتانياهو بقوله «نحن مطالبون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومن الطبيعي والصحيح أن نطلب من الطرف الآخر الاعتراف بالدولة اليهودية، دولة شعب إسرائيل».. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: لماذا أنت تعترف بالدولة الفلسطينية، وتطالبهم بالاعتراف بالدولة اليهودية؟!

إن الخطورة الكبرى لمشروع قانون الدولة القومية اليهودية، أنه يقوّض دعائم السلام الهشّ أصلاً، ويتبنى الخطاب الذي تروّج له التنظيمات الإرهابية في الجهة المقابلة كـ«داعش» وأخواتها، ورؤيتها للصراع العربي / الإسرائيلي باعتباره صراعاً دينياً وليس صراعاً سياسياً. وفي المحصلة النهائية يتضح أن الدولة اليهودية وهذه التنظيمات الإرهابية، وجهان لعملة واحدة، وأن طبيعة هذين الطرفين مجبولة على التعصب الديني الإقصائي الرافض للآخر.

Email