لماذا نجحت الإمارات حيث فشل الآخرون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا نجحت دولة الإمارات في ما فشل فيه الآخرون؟ سؤال يطرح نفسه لتجربة عمرها 43 عاماً، ولكنها شكلت نقطة فاصلة في التطور النوعي، وحققت إنجازات تجاوزت المدى الزمني واختزلت مسافات كبيرة. وهذه التجربة فيها دروس كثيرة تستفيد منها دول أخرى، فالعالم العربي يحتاج إلى تجارب ناجحة حتى يستطيع تطبيقها، فمعدلات التنمية والتوظيف بشكل عام في المنطقة العربية، من أقل المعدلات العالمية.

ونجاح الإمارات ليس مرتبطا ًبموضوع الثروة النفطية، ومن يعتقد ذلك فهو يطرح تقييماً غير دقيق واختزالاً غير عادل، فالثروة النفطية كانت متاحة في العراق بوفرة أكبر وموارد طبيعية أفضل، ولكن الفرق في إدارة الحكم التي ركزت على عسكرة الشعب ومزاجية الحاكم وتخبط القرارات وديكتاتورية النظام، ما جعل العراق يعيش مسلسلاً ما زال مستمراً لتدهور اقتصادي وأمني وسياسي، وهو الآن يتعرض لتهديد التفكك.

وهذا الواقع هو نتيجة لمراحل سابقة وحصاد لنظام حكم ظالم وطاغ. وفي الجانب الآخر، ليبيا التي امتلكت ثروة نفطية هائلة ومساحة ضخمة وعدد سكان محدوداً، ما يسهل تنفيذ مشاريع للتنمية وتحسين مستوى دخل الفرد، ولكن أيضاً كانت إدارة الحكم التي تفرغت للنرجسية المفرطة والبحث عن ألقاب ملك الملوك ومنقذ الشعوب، ومغامرات صبيانية لجذب الانتباه وتحقيق التضخم الذاتي، لينتهي الأمر إلى تلك النهاية الدراماتيكية، وها هي ليبيا دولة تعاني من غياب المؤسسات وتتعرض لانهيار داخلي، ما قد يجعلها تصنف دولة فاشلة.

فالنفط لم يكن يوماً هو وحده السبب لتطور الدول وتنمية الإنسان، والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج حباها الله بثروة نفطية، ولكنها جعلت أولوياتها خدمة الشعوب والإنفاق على تطوير التنمية وبناء الاقتصاد. ولذلك نجد الإمارات وشقيقاتها من دول الخليج تنعم الآن بالاستقرار السياسي والأمني، وتحقق معدلات نمو عالية في الاقتصاد، وتواصل مشروع تطوير الإنسان. ولذلك ليس غريباً أن يكون أكبر اقتصاد في المنطقة العربية هو السعودية، تأتي بعده دولة الإمارات.

التجربة الإماراتية لها خصوصية تنطلق من كونها دولة اتحادية، وربما هذا واحد من الأسباب المهمة التي ساعدت على نجاحها، فهي اعتمدت على اللامركزية في إدارة البلاد، ما أوجد لإمارات الدولة مساحة من القرار والحركة والتطور والتنافس، انعكس على الدولة إيجاباً.

وقد كانت حكمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمها الله، في صنع أرضية صلبة لهذا البناء، ودستور حمى وعزز من كيان الدولة وقوتها.

وهما لم يتعاملا بمنظار اللحظة الآنية، بل كانت رؤيتهما المستقبلية لصياغة الاتحاد ومرونته. ويحسب للإمارات ثقافة التسامح المتأصلة فيها، فدولة الإمارات تمكنت من صياغة معادلة في الحرية الاجتماعية، وفي استيعاب جنسيات مختلفة، والمحافظة على هوية الدولة. هذه الثقافة هي التي شجعت على نمو الاقتصاد، وعلى جذب الشركات ونمو السياحة. وهذه الثقافة لا تفرض بقرار، بل هي نتاج طبيعة الأفراد وأسلوب الحكم. وقد مكنت فلسفة التسامح في خلق نسيج اجتماعي محلي متماسك، بعيد عن العنف والتطرف.

ويمثل الاستقرار الأمني شرطاً أساسياً لأي تنمية اقتصادية في أي مكان في العالم، وقد استطاعت دولة الإمارات النجاح فيه بشكل لافت للنظر، فرغم عدم وجود مظاهر مفرطة لرجال الأمن في الشارع، تجد الدولة منضبطة أمنياً، ولكن في الوقت نفسه بشكل لا يتداخل مع حرية الناس الفردية. وهذه التوليفة كانت عنصر جذب للدولة، فأصبحت الإمارات مكاناً للباحثين عن الإبداع والابتكار والتطوير، من خلال وجود بنية تحتية متقدمة والشعور بالأمان.

وإذا تحدثنا عن النجاح الإماراتي، فلا بد أن نعرج على الرؤية الاستراتيجية للتنمية، فهي ليست قرارات فردية مبينة على اجتهادات، بل هي نتاج رؤية شاملة، فحينما قررت أن تركز على التجارة وإعادة التصدير، بنت أكبر موانئ العالم لتطبيق ذلك. وعندما وضعت السياحة هدفاً، بنت شركات طيران هي الآن الأكبر في العالم، واستثمرت في بنية سياحية من مجمعات ضخمة وفنادق وجزر. المقصود أن هناك عملية تكاملية حتى تصل للنتائج، فمن الصعب أن تستثمر في أكبر شركة طيران، ولا تتوفر لديك فنادق وشبكة مواصلات، فالمشروع الاستراتيجي هو سلسلة من القرارات التكاملية لتصل إلى الهدف، أي ليست من منطلق خبط عشواء من تصب.

وكانت الخطوة الاحترافية، بناء التشريعات التي تحمي الأعمال وتطبق القانون بصرامة على الجميع، وهذا يعطي مصداقية للدولة. ولم يقف التميز الإماراتي عند هذا الحد، بل طرحت مبادرات ابتكارية، كالحكومة الذكية ومؤشرات قياس السعادة. وهي تنطلق في كل هذا من أجل الإنسان، وبمعنى أدق من أجل سعادة الإنسان.

تجربة دولة الإمارات ثرية وفيها دروس كثيرة، وكوننا خليجيين نفتخر بها لأنها قدمت صورة حضارية للعالم عن الإنسان الخليجي الجديد، الذي يصنع الإبداع، ولا يكون فقط مستهلكاً له.

Email