السعودية ورسالتها في مجموعة العشرين

ت + ت - الحجم الطبيعي

فارق كبير في الأوضاع بين قمة العشرين التي تعقد اجتماعها التاسع نهاية هذا الأسبوع في برزبن في أستراليا، وبين الأوضاع عند اجتماع أول قمة لها في 2008، في ظروف اقتصادية صعبة كادت تعصف بالنظام العالمي.

وقد نجحت الدول العشرون في إنقاذ الاقتصاد العالمي من هاوية الأزمة الاقتصادية الخانقة التي مرت به. وكان مشروع تأسيسها في 1999، يهدف لمعالجة آثار الأزمة المالية الآسيوية، والتدابير التي اتخذت جنبت العالم الانزلاق في خطر الركود الاقتصادي.

ويسجل لمجموعة الدول الأعضاء، ومن بينها السعودية الدولة العربية الوحيدة العضو في العشرين، دورها الناجح في المساهمة في تحقيق أهداف المجموعة العشرين، التي تسعى لتشجيع النمو المتوازن والمستدام لدول العالم.

ورغم تجاوز العالم للأزمة الاقتصادية، فإن هناك تحذيرات من صندوق النقد الدولي ومراكز أبحاث، من احتمالية تكرار أزمة اقتصادية، ما لم يتم التنبه للأسس التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي، ودور البنوك المركزية.

ويصف اقتصاديون التحسن الاقتصادي بالهش، وأنه قابل للعطب في أي لحظة، ولذلك يهتم العالم ورجال الاقتصاد وصانعو القرار، بما يتمخض عن اجتماعات مجموعة العشرين، لما لها من تأثير في مفاصل الاقتصاد والأسواق في العالم.

اهتمام دول العالم الآن بالاقتصاد وتقييم أداء الحكومات، يرتبط بقدرتها على تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وإيجاد فرص عمل للناس. أدرك العالم أن السياسة وظيفتها فتح المجال للاقتصاد، وليس لعرقلة الاقتصاد.

ومشكلتنا في المنطقة، أن السياسة هي الشغل الشاغل للقيادات، بينما لو نجحوا في مشروعهم الاقتصادي لضمنوا استمرارهم السياسي. ومن الطبيعي أن يركز المجتمعون على قضية تعزيز الاقتصاد العالمي، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية التي يطالب كثيرون بإعادة تعريف أدوارها وهيكلتها من جديد، وهناك أسئلة كثيرة تطرح حول التنظيم المالي، وكيفية عمل الوسائل المناسبة لإصلاح اقتصادي شامل.

فأزمة اليورو كشفت أن الأداء المالي السيئ لدولة ما، هو في الحقيقة ضرر على الدول الأخرى وعلى النظام الاقتصادي بشكل عام. فقضية الاقتصاد لم تعد قضية سيادية للدولة، لأن هناك تداخلاً هائلاً في اقتصادات العالم، وبالتالي ما يحدث في دولة يؤثر في غيرها.

كما أن أسواق المال في العالم أصبحت متداخلة وذات أحجام هائلة، وتتجه الأنظمة إلى القواسم المشتركة التي تحددها معايير دولية موحدة، وليست قرارات داخلية للدولة. فرغم أن تراخيص وإشراف البنوك يقع تحت السلطات المحلية في أي دولة، إلا أن الأنظمة الدولية تلزم كل البنوك بمعايير بازل التي تحدد الملاء ونسبة الاقتراض وغيرها.

التداخل العالمي يفرض تصوراً جديداً وعقلية جديدة تخاطب المتغيرات، ومن الواضح أن العالم يتجه لتقوية القوانين والمعايير الدولية الموحدة، على حساب القوانين السيادية الداخلية. ومن الصعب أن تخرج دولة عن هذه التوجه، وإلا تعتبر دولة خارجة عن القانون، وستتعرض لعقوبات ومقاطعة تجبرها على التراجع.

وهذا لا يرتبط بالاقتصاد فحسب، بل حتى الأنظمة العالمية لحقوق الإنسان وأنظمة العمال وحماية البيئة وسواها. فالدول مضطرة لتعديل أنظمتها لتتواءم مع القانون الدولي، ما يتطلب من دول المنطقة دراسة التوجهات العالمية، للتعامل معها بندية والمشاركة في وضعها.

فبدلاً من أن نكون متلقين، هناك فرصة لنكون صانعين ومشاركين في هذا التغيير، ومشاركة السعودية في مجموعة العشرين، تعطي فرصة لتلعب الدور المهم في رعاية مصالح الدول النامية.

وهي تشارك في القمة بوفد عالي المستوى، برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد وزير الدفاع، واستحقت شهادة تقدير من صندوق النقد الدولي، الذي قال إن الصين والهند والسعودية من أفضل الدول أداءً بين اقتصادات مجموعة العشرين، وثمّن دور السعودية في دعم الاقتصاد العالمي، عبر دورها المساند لاستقرار سوق النفط.

كما أن السعودية تصدرت ترتيب الدول الملتزمة بتنفيذ قرارات مجموعة العشرين، حسب تقارير مكاتب أبحاث أكاديمية. وكان اختيار السعودية خطوة ذكية من المجموعة، لضمان وجود الدول المهمة والمؤثرة في الاقتصاد العالمي، ويعكس أهمية السعودية اقتصادياً وسياسياً.

والسعودية كانت رسالتها واضحة من خلال اتخاذها إجراءات مهمة في السياسات المالية والنقدية، وأقرت أحد أكبر برامج التحفيز الاقتصادي في دول المجموعة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وسعت لزيادة رؤوس أموال مؤسسات التمويل الحكومية المتخصصة، لتتمكّن من توفير تمويل إضافي للقطاع الخاص، وخاصة للمشاريع المتوسطة والصغيرة، والتي ساهمت في الحدّ من تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السعودي.

وقد تبنت واستضافت ورشة عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ضمن فعاليات مجموعة العشرين في الرياض، في شهر مارس الماضي.

 العالم يتشكل بصورة مختلفة وسريعة، وهناك دول تحاول اللحاق بالركب وأن تكون صانعة للقرار ومشاركة في التغيير، بينما دول كثيرة في المنطقة تعيش مرحلة تراجع وانهيار، وهذه الدول ستواجه صعوبات كبيرة في التأقلم مع المتغيرات.. ويبقى الاقتصاد المفتاح الأساس والأهم في تنمية الشعوب وبناء الإنسان.

 

Email