المخدرات الرقمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعدّ المقدم الدكتور سرحان حسن المعيني نائب مدير إدارة أكاديمية العلوم الشرطية في الشارقة، عام 2012، دراسة علمية حذّر فيها مما يعرف بـ«المخدرات الرقمية» التي تصل بمتعاطيها إلى درجة الإدمان.

وكذلك أعدّت الباحثة علياء حسين مبارك مديرة إدارة دعم جهود التنمية المجتمعية في مركز دعم اتخاذ القرار بشرطة دبي، عام 2013، دراسة مشابهة معتبرة «المخدرات الرقمية» خطراً حقيقياً، ومحذرة من أنها يمكن أن تجعل الشباب والمراهقين يفكرون أكثر بتجربة المخدرات الحقيقية، وتزيد من إعجابهم بها وسعيهم للوصول إلى الحالات التي فشلت «المخدرات الرقمية» في منحهم إياها.

ولكن للأسف، لم نستشعر وقتها خطورة هذا الأمر، ولم تلقَ هاتان الدراستان وما سبقهما من دراسات في العديد من الدول حول هذا الموضوع، الاهتمام المجتمعي والمتابعة الإعلامية اللذين يلقاهما الموضوع نفسه حالياً، حيث باتت «المخدرات الرقمية» حديث الناس وموضوع الساعة الذي تتداوله الصحف والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، على نطاق واسع.

تُعرّف «المخدرات الرقمية» بأنها عبارة عن تردّدات تؤثر في خلايا الدماغ، وتجعلها تهتز بشكل مشوش وسلبي، وتخلق تأثيراً نفسياً يحاكي تأثير بعض المواد المخدّرة، وهي تقنية تقوم على مبدأ الاستماع إلى ملفات صوتية (MP3) تحتوي على نمطين موسيقيين مختلفين في الوقت نفسه.

بحيث تتعرّض الأذن اليمنى لطنين يختلف عمّا تتعرّض له اليسرى من نقر، وهذا التداخل الصوتي يقوم بتهييج الدماغ بدرجتين متضادتين، فتحدث الاستجابة للصوت عن طريق الشعور بالهلوسة والتشويش والعبث بالحالة المزاجية.

ولهذه الحالة تأثير سيئ في مستوى كهرباء الدماغ يؤذي الخلايا الدماغية ويفتك بها، ما يؤدي بدوره إلى تلف حقيقي في الحواس، تنتج عنه نوبات تشنّج خطرة وتسارع في ضربات القلب وعدم اتزان وصداع قد يصل إلى الغيبوبة.

وهذه تقنية مطوّرة اكتشفها في الأساس العالم الألماني هنريك ويليام دوف عام 1839، وكانت تسمّى «النقر بالأذنين»، وتستخدم لعلاج بعض الأمراض النفسية كالأرق والتوتر، عن طريق تعريض الأذن لتردّدات صوتية متنوّعة، تحت إشراف طبيب متخصّص، تتجاوب معها خلايا الدماغ بطريقة معيّنة حسب الحالة المراد علاجها.

وهذا المبدأ وهذه التقنية في الأصل، هي فكرة العلاج بالقرآن الكريم، حيث ثبت علمياً أن الاستماع إلى القرآن يُنتج تردّدات تؤثر في خلايا الدماغ بشكل حيوي ونشط وإيجابي.

وقد سادت حالة من الشدّ والجذب والنفي والتأكيد، بين بعض الخبراء والمتخصّصين حول موضوع «المخدرات الرقمية»، وهل تحدث الضرر نفسه الذي تحدثه المخدرات التقليدية، حيث يقول بعضهم إن «المخدرات الرقمية» وهم لا أساس له من الصحة.

وليس هناك دليل على أنها تسبّب الإدمان أو تؤدي إليه، وإن الهدف من إشاعة مثل هذا الوهم هو خداع الناس والاحتيال المالي عليهم، بينما يؤكد آخرون أن تأثير «المخدرات الرقمية» حقيقة علمية وليست وهماً، وأنها تسبّب الإدمان.

tومن هنا، وقبل اتخاذ أي تدابير متعلقة بهذا الشأن، لا بدّ من تشكيل لجنة وطنية متخصّصة لدراسة الموضوع دراسة علمية معمّقة، للوقوف على حقيقة خطورتها من عدمها، وإثبات هل من شأنها أن تؤثر في الصحة النفسية أو العقلية للإنسان بالصورة التي يروّج لها؟

ومن ثم، في حال ثبوت ذلك، مناقشة هذه القضية على جميع المستويات العلمية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة، والتوعية بمخاطر «المخدرات الرقمية» وطرق تفاديها والوقاية منها، وحظرها باعتبارها تشكّل خطورة تهدّد الأمن الوطني للدولة، لأنها تفسد النشء وتتحكّم فيهم وفي أمزجتهم.

وبما أن تأثيرات «المخدرات الرقمية» ربما تؤدي إلى وقوع جرائم ناتجة عنها، فلا بدّ من وضع تشريعات وقوانين للحدّ منها، بما يؤمّن حماية أولادنا.

 

Email