مريض على الورق

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن شكرني المريض وبينما هو خارج من الغرفة، توقف فجأة والتفت قائلاً: «أوه نسيت أسألك دكتور كم يوم بتكون الإجازة المرضية؟!». سؤال روتيني للوهلة الأولى يسمعه الطبيب بشكل يومي من معظم المرضى إن لم نقل كلهم، لكن هل هو كذلك؟

لا يختلف اثنان على أهمية العمل في حياة الإنسان، وما له من الأثر الإيجابي على منظومة الفرد والمجتمع والدولة. ومن أجل ذلك سنت اللوائح والقوانين في مختلف جهات العمل، لتنظيم العلاقة بين جميع الأطراف وليقوم كل فرد بدوره على أكمل وجه، في سبيل الحصول على المخرجات الإيجابية وما ينتج عنها من خير للوطن والمواطن.

ومن القوانين الهامة التي تتعلق بصحة الموظف في أي جهة عمل، قانون الإجازات المرضية. عدد من الأيام في السنة الواحدة يلجأ لها المريض حتى يطيب والعليل حتى يشفى.

ويختلف عدد الأيام المرضية المخصصة من قانون لآخر. ففي قانون وزارة العمل المعمول به في كثير من الجهات الخاصة وشبه الحكومية، يستحق العامل 15 يوماً مدفوعة الأجر بالكامل، و30 يوماً مدفوعة نصف الأجر، و45 يوماً بدون أجر، بإجمالي 90 يوما في السنة الميلادية الواحدة. وطبعاً هذا هو الحد الأدنى، ولجهة العمل المرونة في تخصيص أيام أكثر، لكن ليس العكس.

هنا يبرز تحدٍّ كبير، ألا وهو كيفية تعامل الفرد العامل مع هذا القانون. هناك فئة تتعامل مع الإجازة المرضية كوسادة لحالات الطوارئ فقط، وتحاول الرجوع إلى العمل في أسرع وقت بعد أخذ جميع الاحتياطات. سيقول البعض؛ أكيد هؤلاء مدمنو العمل، لكن اللطيف في الأمر أن كثيراً من الدراسات الحديثة، بين الدور الإيجابي للعمل في تسريع العملية العلاجية وإعادة تأهيل المصاب وإنقاذه من السقوط في فخ الاكتئاب الذي يحدث للمريض..

وخصوصا عندما يطول المرض. أذكر هنا قصة لطيفة حصلت لأحد الموظفين في بيئة عمل مكتبية في إحدى جهات العمل في الدولة، إذ أصيب صاحبنا بجلطة دماغية مفاجئة، رغم صغر سنه. وبعد علاجه في المستشفى وإعادة تأهيله في إحدى المصحات، ذكرت التقارير الطبية حاجته لفترة نقاهة لمدة 6 شهور. أبدى الموظف المذكور رغبته في العودة إلى العمل ولو بساعات قليلة..

وتم الاتفاق مع فريق عمله بعدد ساعات مخفضة ومهام أقل. وكانت المفاجأة، في غضون شهر ونصف وبتشجيع كبير من فريق العمل ومديره، أنه استطاع أن يعيد تأهيل ما تبقى من أعضائه والرجوع إلى وظيفته المعهودة بإيجابية كبيرة. هذه الفئة يجب العض عليها بالنواجذ، وتدويرها على الإدارات المختلفة حتى تنتشر عدوى الإيجابية في أرجاء المؤسسة.

وهناك فئة تتعامل مع الإجازات المرضية للتنفيس عن ضغط العمل الناتج في بيئات العمل السلبية، وهذه الفئة من أخطر الفئات، فالموظف هنا لديه طاقة إيجابية ومخزون إبداعي يذهب هباء منثورا، بسبب المدير «النكدي» أو الزملاء «الحسودين» أو المهام الوظيفية العقيمة! هنا الموظف لا يجد إلا شماعة الإجازات المرضية للهروب من هذه البيئة المنفرة،.

وفي كثير من الأحيان قد يشتكي من أعراض غير معروفة السبب. والجدير بالذكر أن موظفي هذه الفئة عادة يكون التزامهم بقوانين المؤسسة عالياً جداً، ويجتهدون في تحقيق ما طلب منهم على أكمل وجه.

هذه الفئة يجب اكتشافها في أسرع وقت والاهتمام بها، وتوفير البيئة الداعمة المناسبة من دورات تدريبية وورش عمل وعصف ذهني، لإخراج ما بداخلهم من إبداع وابتكار. هنا يجب التنويه بأن هؤلاء المبدعين لا تغريهم المناصب ولا المسميات (البعبع الذي يخاف منه أصحاب المناصب ذوو النفوس الضعيفة)، إنما يستهويهم شيء واحد فقط: إبراز اسم الإمارات في شتى المحافل.

نأتي للفئة الأخيرة وهم الذين يتعاملون مع أيام الإجازة المرضية نفس تعامل الإجازة السنوية، فلا تمر سنة إلا والـ15 يوماً مرضية مأخوذة بالتمام والكمال.

والطامة الكبرى إذا بقى من السنة شهر أو شهران ورصيد المرضية لم ينته! هذه الفئة من أصعب الفئات، لأن الموظف هنا لا يكترث بالعمل أبداً ولا يعتبره مسؤولية أخلاقية شرعية وطنية، إنما تمضية وقت من أجل راتب يذهب أدراج الرياح في كماليات لا تسمن ..

ولا تغني من جوع! ولهذه الفئة، وخصوصا الشباب منهم، قد تكون الخدمة الوطنية والتجنيد المفتاح السحري الذي يجعلهم يكتشفون أهمية العمل والانضباط، وأن خدمة هذا الوطن في أي جهة كانت أو مؤسسة، هي واجب وليس نزهة في حديقة!

نظرت إلى المريض بابتسامة ماكرة قائلً: «الإجازة المرضية بتكون يومين من الجمعة إلى السبت!».

 

Email