ماذا بعد العودة إلى المربع الأول؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أسبوعين على توقف العدوان الإسرائيلي الهمجي الأخير على قطاع غزة، لم يتوقف قلق الفلسطينيين من أن تعاود إسرائيل شن عدوان جديد، لاستكمال تحقيق ما فشل عدوانها السابق في تحقيقه من أهداف.

الاتفاق الذي نجحت القاهرة في توقيعه من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عبر مفاوضات غير مباشرة، وبدأ سريان مفعوله مساء 26 من الشهر المنصرم، لم يكن سوى وقف للنار، ما يعني عودة الأمور إلى المربع الأول، ما يعني أن إسرائيل أرادت تحقيق تهدئة مقابل تهدئة، دون أن يحظى الفلسطينيون بأية إنجازات، رغم الأداء الجيد للمقاومة والثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون دماءً ودماراً.

بعد أيام قليلة من توقيع الاتفاق، بدأت إسرائيل انتهاكه بإطلاق البحرية الإسرائيلية النار على الصيادين واعتقال اثنين منهم، وعلى الحدود الشرقية لمنطقة رفح توغلت الدبابات والجرافات الإسرائيلية، لكن الفلسطينيين حافظوا على الهدوء.

والأهم من ذلك أن بنيامين نتانياهو الذي أخذ قرار الموافقة على اتفاق القاهرة بمفرده، دون مشاورة الحكومة، كان قد أعلن تنصل إسرائيل من أي اتفاق، وأنها ستبادر من طرف واحد بتخفيف الحصار بالقدر الذي تشاء، وتتحكم في كميات مواد البناء الداخلة إلى غزة، من حيث وجهتها وطرق استخدامها، حتى لا تقع في يد حركة حماس، بحجة منعها من استخدامها في بناء وترميم الأنفاق.

يزداد المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي في قطاع غزة تشاؤماً، وتزداد المخاوف من أن يطول انتظار المواطنين الذين فقدوا أماكن سكناهم، والأمور تبدو أكثر تعقيداً لأسباب المصالحة الفلسطينية المتعثرة.

لكن بالإضافة إلى ذلك ثمة سؤال جوهري حول الموقف من السلاح، الذي ترفض المقاومة تسليمه أو التخلي عنه. وموضوع السلاح يتصل بمسؤولية السلطة، والتزامها باتفاقية أوسلو التي تحدد أنواع وكميات السلاح الذي يمكن أن تحوز عليه، الأمر الذي سيحمل السلطة والحكومة المسؤولية عن التصرف إزاء السلاح الموجود لدى المقاومة، فيما هي غير قادرة على أن تفعل ذلك.

فهي إن صمتت عنه تكون وفرت لإسرائيل مبرراً قوياً لاتهامها بدعم وتشجيع «الإرهاب»، وإن حاولت انتزاعه دخلت في صراع دموي مع فصائل المقاومة.

وعملية إعادة الإعمار تتعثر هي الأخرى، فلقد تأجل انعقاد المؤتمر الدولي للمانحين إلى أجل غير معروف، هذا عدا عن تعطيل آلياتها بفعل الإجراءات الإسرائيلية، وبسبب غياب السلطة الفلسطينية التي تصر كل الأطراف على أن تتحمل المسؤولية كاملة عن هذه العملية.

على الجانب الإسرائيلي ثمة تعقيدات كبيرة، فرغم فتح ملفات التقصير والنقد والاتهامات والمحاسبة، ظل اليمين الإسرائيلي المتطرف يحقق تقدماً في شعبيته، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى عدم رضى أغلبية الجمهور الإسرائيلي عن أداء الجيش، وإلى أن أحزاب اليمين المتطرف ستحظى بزيادة واضحة لو جرت الانتخابات خلال هذه الفترة.

وبنيامين نتانياهو الذي يحمله حلفاؤه أعباء العدوان الفاشل، بدأ يتجه نحو المزايدة على اليمين المتطرف.

وقد ذهب نحو تصعيد الوضع في حرم المسجد الأقصى، إلى مصادرة أربعة آلاف دونم في بيت لحم، وألفي دونم في منطقة الخليل، فضلاً عن إعلانات متكررة عن بناء مئات الوحدات السكنية في المستوطنات.

ومن الواضح أن نتانياهو لا يسعى فقط وراء تحقيق شعبيته، وإنما لاستفزاز الفلسطينيين كي يحصل على ذرائع جديدة لتصعيد التوتر، وربما ارتكاب عدوان جديد. لكنه أيضاً يستهدف قطع الطريق على المبادرة السياسية التي قدمها الرئيس محمود عباس، وعرضها وفد فلسطين على الإدارة الأميركية.

 والتي تتحدث عن انسحاب إسرائيلي خلال ثلاث سنوات، ومفاوضات لتسعة أشهر على ثلاث مراحل تعالج كل منها عدداً من الملفات، على أن يكون ملف الحدود هو الأول. والمبادرة لا تتضمن شروطاً لاستئناف المفاوضات، كما أنها تنسجم إلى حد كبير مع الطروحات الأميركية والأوروبية، وتحشر إسرائيل في الزاوية.

بعد هذه المبادرة، تكون القيادة الفلسطينية قد استنفدت كل ما لديها في إطار المراهنة على المفاوضات والحل السياسي، ولا يبقى أمامها سوى التوجه نحو الأمم المتحدة ومؤسساتها، وتخليص السلطة الوطنية من أعباء اتفاقية أوسلو، وتغيير وظيفتها التي تخدم الاحتلال، وتغيير دورها لصالح الدولة ومنظمة التحرير كعناوين للعمل السياسي الفلسطينية.

 

Email