في ذكرى إحراق الأقصى.. القدس تصرخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمر ذكرى إحراق المسجد الأقصى على يد متطرف صهيوني حاقد، والقدس تعيش لحظات حاسمة من حياتها، حيث سيف التهويد المسلط عليها وعلى عموم مواطنيها من العرب الفلسطينيين؛ المسلمين والمسيحيين.

ونحن نستعيد تلك الذكرى الأليمة لإحراق المسجد ومحاولة تدميره، نرى أن رحلة الاستيطان الصهيوني التهويدي التوسعي داخل المدينة وعلى حدودها ما زالت تتواصل، وتلخص بشاعة الإجحاف الذي تمارسه الدولة الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني وحاضره ومستقبله.

حيث لم تكن الأرض الفلسطينية، ومن ضمنها المدينة المقدسة، وشعبها الطيب سوى موقع ترحيب وإخاء لجميع أبناء البشر من كل الديانات والرسالات، منذ الماضي السحيق وحتى لحظات انفلات أخطبوط الغزو الاستيطاني الكولونيالي الصهيوني ودولاب الضم الزاحف، فهناك ما لا يقل عن عشر كنائس مسيحية في المدينة المقدسة (قبطية، إثيوبية، روسية، أرمنية، يونانية...)، وكذا بالنسبة لأتباع الديانة الموسوية، ولأفواج المسلمين الذين أقاموا في القدس وحول القدس وأكناف بيت المقدس، إلا أن القدوم الاستعماري التهويدي بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل السويسرية عام 1897، وإطلاق تيودور هيرتزل دعوته لإقامة الدولة اليهودية في خطوة رحبت بها وساندتها الإمبريالية الجديدة التي صعدت في أوروبا مع نهاية القرن التاسع عشر ـــ وكل من موقع حساباته ـــ قد قلب المعطيات، وفتح طريق المآسي والدروب الشائكة أمام مدينة وشعب معطاء عاش المحبة والإخاء وصفاء النفس البشرية.

والآن، فإن مخططات الهدم والتهجير الإسرائيلية الصهيونية في مدينة القدس ومحيطها، تتم بخطوات متسارعة لجعلها مدينة يهودية خالصة، في سياق المشاريع الإسرائيلية الهادفة لإحداث الانقلاب الديمغرافي لصالح أغلبية يهودية، على حساب الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، وإفراغ القدس الشرقية المحتلة من العرب حتى عام 2020، وبناء ما تسميه مصادر الاحتلال بالجدار الديمغرافي اليهودي.

واستمراراً لسياساتها التهويدية، دأبت سلطات الاحتلال على توجيه الإنذارات/ الإخطارات لأصحاب الأراضي والمنازل العربية، في مختلف مناطق القدس وحتى داخل أحيائها القديمة، وذلك لتطويق المدينة من جميع جهاتها بعد توسيع حدودها الإدارية التي باتت تعادل ربع مساحة الضفة الغربية، من أجل تثبيت ملكيتها لجهات يهودية استيطانية.

إن مخططات التنظيم الصهيونية، والموضوعة منذ عام 1977، تشير إلى خطة الهدم والطرد للمواطنين العرب، بهدف »تأهيل« مناطق مختلفة من القدس كمشروع إقامة »مدينة الملك داوود«، وهدم أجزاء من بناية المجلس الإسلامي الأعلى بجرافاتها، وهو المبنى الذي انتهى العمل به عام 1929، ويقع على بعد عشرات الأمتار من السور الغربي للبلدة القديمة في القدس، وعلى مقربة من باب الخليل، وبالتحديد في حي ماميلا المقابل لمقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية.

وهذا البناء يعتبر إحدى روائع الفن المعماري الإسلامي في القدس، وظلت واجهاته الخارجية ونقوشها شاهدة على إسلامية وعروبة القدس، رغم احتلالها ومصادرتها عام 1948، أي قبل تسع وخمسين سنة.

وتترافق عمليات الهدم الاسرائيلية مع عمليات تزوير كبيرة وخطيرة تقوم بها جهات يهودية متطرفة، لشراء عقارات عربية في القدس القديمة، عبر تسجيل أراض في القدس بأسماء عرب ممن ليس لهم ارض أصلا في القدس، ومن غير سكان القدس.

حيث تأتي هذه الجهات المتطرفة وتعرض أمامهم أوراق »طابو« تظهر أن لهم أراضي مسجلة بأسمائهم في القدس القديمة، وتعرض عليهم مبالغ كبيرة لشرائها. ومؤخراً تم كشف إحدى هذه المحاولات حين قامت جماعات استيطانية صهيونية بتزوير أوراق الطابو، لشراء قطعة أرض في القدس القديمة تبلغ مساحتها 2600 متر مربع، مسجلة تسجيلا مزورا بأسماء أفراد لا علاقة لهم بها.

ورغم عمليات التطفيش الإسرائيلية والمضايقات المتواصلة لدفع السكان العرب إلى مغادرة المدينة المقدسة، ورغم كل العمليات الاستيطانية التهويدية الصهيونية في المدينة، فإن النمو السكاني للعرب ما زال هو الأعلى في المدينة وعلى حدودها الإدارية.

وبحسب توقعات مؤسسة القدس للدراسات الإسرائيلية، فإنه في حال استمر الميل الحالي للتزايد السكاني مقارنة بين العرب واليهود، فسيشكل اليهود بحلول عام 2020 ما نسبته 60% من سكان القدس مقابل 66% حاليًا، في حين أن نسبة العرب ستتراوح بين 34% و40%.

ويبلغ عدد سكان القدس (الشرقية والغربية) حاليًا 720 ألف نسمة، ويشمل المستعمرين اليهود في الأحياء التي بنتها الدولة العبرية في القسم الشرقي من المدينة المحتل عام 1967.

ومنذ أربعة عقود، زاد عدد السكان العرب بنسبة 257%، وانتقل عددهم من 68 ألفًا إلى 245 ألفًا حاليًا، في حين أن السكان اليهود عرفوا نموًا بلغ 140%، وانتقل عددهم من 200 ألف إلى 475 ألفًا. وفي حال تواصل هذا الميل سيشكل العرب نسبة 50% عام 2035، مع نضوب وتراجع نسب الهجرة الاستيطانية من الخارج نحو فلسطين المحتلة.

وعلى ضوء الواقع الحالي في القدس، وتواصل عمليات القضم المتتالي لأراضيها لمصلحة التوسع الاستيطاني التهويدي، فإن مهمات فلسطينية وعربية وإسلامية عاجلة تتطلب التحرك لإنقاذ المدينة المقدسة، مع ضرورة تدخل منظمة التعاون الإسلامي والدول العربية والإسلامية بكل قوة، لوقف هذا الجنون الإسرائيلي في حق الأقصى والمقدسات الإسلامية، فضلاً عن ضرورة تكثيف حملات توعية فلسطينية للمواطنين المقدسيين، بشأن الاخطار المحدقة بمستقبل مدينة القدس.

وتقع على عاتق المؤسسات الحقوقية والمنظمات الفاعلة والصليب الأحمر الدولي، ضرورة التدخل الفوري لوضع حد للمأساة التي تحل بالمدينة المقدسة جراء تواصل الهجمة الإسرائيلية الشرسة، مع تواصل عمليات الحفريات والهدم. فالأقصى والقدس الآن في خطر حقيقي من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، التي تبيت النية لهدم الاقصى وتهويد مدينة القدس.

Email